تسعى الكثير من دول العالم إلى إنشاء قواعد عسكرية خارج أراضيها من أجل الحفاظ على مصالحها وأمنها وتعزيز علاقاتها الإقليمية والدولية، فالقارة الإفريقية بدورها مثلت نقطة تسابقت عليها القوى الدولية والإقليمية، وذلك لما تتمتع به من موارد طبيعية ومواقع إستراتيجية وممرات بحرية تربط العالم ببعضه.
أسس الوجود الإيراني في إفريقيا
كغيرها من الدول سعت إيران إلى أن يكون لها نفوذ ووجود عسكري في القارة الإفريقية، وما يؤكد ذلك إهداء الشاه محمد رضا بهلوي (1941 ـ 1979) سفينة عسكرية للسودان لدعم استراتيجيتها البحرية في البحر الأحمر.
إلى جانب ذلك تتصف القارة الإفريقية بالصراعات المسلحة داخلياً وخاريجياً، ما جعل الدول الإفريقية في حالة تسلح مستمر؛ وهذا ما جعل إفريقيا سوقا لبيع السلاح؛ وهو ما يجعل الدول المنتجة تطمح بالظفر بالسوق الإفريقية.
لعل أفضل مثال على هذا هو: التسابق بين الجزائر بين المغرب، والتسابق بين إرتيريا وإثيوبيا، إذ تعتبر هذه الدول من أكثر الدول تسلحاً، وذلك للخلافات المستمرة بينها.
وتطمح بعض الدول الإفريقية إلى أن تلعب دورا سياسيا وعسكريا في القارة بالتحالف مع قوى إقليمية ودولية، وهذا بدوره يتناغم مع طُموحات بعض الدول – كإيران – التي لها أيضاً أهداف توسعية في القارة الإفريقية، وهو ما يجعلها تقيم تحالفات عسكرية مع بعض الدُول الإفريقية، وأفضل نموذج لهذا التحالف العسكري كان مع السودان – قبل عاصفة الحزم – الذي بِموجبه قامت الدولتان بإنشاء مصانع للسلاح سهل لإيران الوصول إلى السوق الإفريقية.
الشيء المهم الذي يميز منطقة القرن الإفريقي هو موقعها الجيوبوليتيكي الذي يربط قارات العالم ببعضها، هذه الميزة جعلت الدول الفاعلة في النظام الدولي والإقليمي تسعى لأن يكون لها موطئ قدم فيها، كي تحاول السيطرة على الممرات المائية المهمة مثل: مضيق عدن والتمركز في جزر البحر الأحمر كي تحاول السيطرة على ممرات التجار الدولية.
أهداف إيران في إفريقيا بعد 1979
إن أغلب دول العالم تُمني نفسها بأن تلعب دوراً مهماً في السياسة الدولية، وأن تحقق مطامعها التوسعية في العالم، وإيران كغيرها من الدول لها مطامعها وأهدافها التوسعية، وخاصة بعد ثورة الخُميني لعام 1979 إذ وضعت هذه الأهداف موضع التنفيذ.
ويمكن القول إن إيران ساعية بجهد كبير إلى أن تكون الدولة الأولى في الشرق الأوسط والأكثر تأثيرا في أحداثه؛ لذلك توجد في سوريا والعراق بكل ما تملك، ودائما ما تعلن القيادة الإيرانية بأنه ليس هناك حدود لدورها، انطلاقا من فكرة عالمية الثورة الإيرانية.
وتحتل منطقة القرن الإفريقي أهمية خاصة في قائمة اهتمامات السياسة الخارجية الإيرانية، حيث تطل المنطقة على المحيط الهندي من ناحية، وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، حيث مضيق باب المندب من ناحية ثانية، ومن ثم فإن دول القرن الإفريقي تتحكم في طريق التجارة العالمي، خاصة تجارة النفط القادمة من منطقة الخليج، والمتجهة إلى أوروبا، والولايات المتحدة، كما أنها تعد ممرا مهما لأي تحركات عسكرية، قادمة من أوروبا، أو الولايات المتحدة، في اتجاه منطقة الخليج العربي.
لا تقتصر أهمية منطقة القرن الإفريقي على اعتبارات الموقع فحسب، وإنما تتعداها إلى الموارد الطبيعية، كالنفط والذَّهب والغاز الطبيعي وامتلاكها احتياطات كبيرة من المعادن التي تستخدم في الصناعات الثقيلة والنووية، مثل: الكوبالت واليورانيوم، بالإضافة إلى ذلك قربها من شبه جزيرة العرب بكل خصائصها الثقافية، ومكنوناتها الاقتصادية.
علاوة على ما سبق تتمتع تلك المنطقة من العالم بجزر عديدة، ذات أهمية استراتيجية، من الناحية العسكرية والأمنية، مثل جزيرتي “حنيش” و”دهلك”، وقد حولت هذه الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الإفريقي، المنطقة إلى منطقة نفوذ غربي بامتياز، وجعلتها مطمح الدول الكبرى لإقامة مشاريعها الاستغلالية كالمشروع الأمريكي المعروف بمشروع القرن الإفريقي الكبير ويضم كلاً من: إثيوبيا والصومال وإريتريا وجيبوتي، فضلا عن دول منطقة البحيرات: أوغندا والكونغو ورواندا وبوروندي).
الإدراك الإيراني لأهمية إفريقيا استراتيجيا
وقد حولت هذه الأهمية الاستراتيجية منطقة القرن الإفريقي إلى منطقة نفوذ غربي جعلتها دائماً محل تنافس بين الدول الكبرى في مرحلة الحرب الباردة، ومع بداية النظام العالمي الجديد في التسعينيات من القرن الماضي تصاعدت حدة المنافسة وتعددت أطرافها، ولكنها ظلت ملعباً للدول الكبرى، وبخاصة الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، حيث سعت القوى الكبرى المسيطرة على النظام الدولي إلى التدافع عليه من أجل كسب مناطق نفوذ لها هناك، إما سلماً من خلال العلاقات الوثيقة مع نظم الحكم في المنطقة، أو كرهاً من خلال استخدام القوة المادية.
وفي سياق هذا التنافس تأتي إيران التي أبدت اهتماماً متزايداً بدول القرن الإفريقي في الآونة الأخيرة، وذلك في سياق فتح المزيد من دوائر التعاون مع كل التجمعات سواء كانت دولية أو إفريقية أو عربية وخليجية.
يسير هذا النشاط بالتوازي مع الضغوط الغربية والأمريكية بسبب برنامجها النووي، وتهدف من هذه التحركات إلى كسب مزيد من التأييد الدولي لمواقفها، وإرسال رسالة إلى الدوائر الغربية تحديداً مفادها: أن لديها القدرة على الانفتاح؛ لتغيير الصورة النمطية عنها، والتي تصفها دائماً بالتشدد.
تعتبر القارة السمراء نقطة صراع بين القوى الدولية والإقليمية، وذلك لما تتمتع به من موارد طبيعية ومواقع استراتيجية وممرات بحرية تربط العالم ببعضه، وتريد إيران أن يكون لها وجود في هذه الرقعة المهمة من العالم، حيث سعت إلى خلق علاقات استراتيجية مع دول القارة.
يقول اللواء أحمد فخر إن هدف إيران من الوجود في شرقي إفريقيا والقرن الإفريقي ليس الوجود السياسي فقط وإنما وجود استراتيجي، ولعلم القيادة الإيرانية بأن منطقة القرن الإفريقي لا تقل أهمية عن بقية مناطق العالم.
وفي إطار جهادها البحري زاد اهتمامها بالمنطقة وذلك للأسباب الآتية:
ــ نقاط ارتكاز في البحر الأحمر: تستطيع منها تسهيل إيصال الأسلحة إلى الفصائل الفلسطينية “كحركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين والحركات الجهادية” كحركة الشباب الصومالية” كي تهدد مصالح الدول الغربية وحلفاءها في المنطقة.
ــ إجبار الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة على تشتيت جهدهم العسكري وتحويله إلى مضيق باب المندب في البحر الأحمر، وبذلك تكون خففت التوتر الحاصل بينها وبين الولايات المتحدة والأمريكية في مضيق هرمز.
ــ مواطئ قدم على البحر الأحمر تهدد به المملكة العربية السعودية من الجهة الغربية من خلال استجار ميناء عصب الإريتري في السابق، بالإضافة إلى محاولة تأجير بعض الجزر من أرخبيل دهلك لتدريب الحوثيين وتقديم الدعم اللوجيستي لهم.
ــ التضييق على النفوذ التركي المتصاعد في منطقة القرن الإفريقي وخاصة في الصومال، إذ تمتلك تركيا في الصومال أكثر من مؤسسة تعليمية وطبية، وكما لها تواجد عسكري في مقديشو، وترى إيران في تركيا منافسا منذ القِدم؛ لذلك تبدو منزعجة من وجود أنقرة في القرن الإفريقي والتضييق عليها من أولوياتها الإستراتيجية.
ــ فك العزلة المفروضة عليها منذ عقود: بعد ثورة 1979 وُضعت إيران تحت الحظر الدولي كي تمُنع من تصدير ثورتها إلى الخارج، وقد أقامت الولايات المتحدة قواعد عسكرية في الشريط الغربي من ساحل الخليج العربي، وفرضت واشنطن على طهران عقوبات اقتصادية وسياسية ما عزلها نوعا ما عن العالم، وبطبيعة الحال لم تستسلم إيران بدورها لهذا الواقع وسعت جاهِدةً لكسر الحصار بخلق تحالفات جديدة وأولت القارة السمراء اهتماما أكبر.
ــ أن تكون منطقة شرقي إفريقيا إحدى المحطات الاستراتيجية المهمة لها في مواجهتها للقوى الغربية وخاصة إسرائيل، وهو ما يعطيها نقطة ارتكاز تمكنها من القيام بمهام جهادية وقتالية ضد القوى الغربية إذا ما قررت الأخيرة تدمير قدرات إيران النووية.
ــ تصدير الأسلحة إلى مناطق الصراعات الإفريقية، وهناك معلومات تناقلتها وسائل الإعلام مؤخرا تشير إلى أنه جرى تزويد النظام الإثيوبي بأسلحة ومعدات عسكرية وطائرات من دون طيار، وذلك لمساندته في مجابهة تقدم قوات التيجراي.
ــ إقامة وجود عسكري إيراني في المنطقة: إن الأجندة الإيرانية في إطارها العام ترمي إلى تعقيد حياة الأمريكيين في الجزيرة العربية والقرن الإفريقي، وإحباط المخطط الغربي لتشديد الحصار البحري عليها في مياه الشرق الأوسط، وإيجاد قاعدة انطلاق نحو شرقي إفريقيا، إذ تدور حروب مكملة لما يجري في العراق وأفغانستان، وصولاً إلى خلق استراتيجية أمنية إقليمية تضطلع فيها إيران بدور المهيمن الطارد لأي وجود قوي من قبل قوى أخرى، وبالتالي جر أمريكا إلى طاولة مفاوضات جديدة.
ــ تأسيس وجود إيراني مادي على الأرض، وبحري فعال في البحر الأحمر ــ المهم من الناحية الاستراتيجية لإيران ــ يقود لقناة السويس، لذا تعمل على تقوية علاقاتها بالدول الإفريقية التي تطل على البحر الأحمر، من بينها: السودان وإريتريا وجيبوتي والنظام الاثيوبي.
ــ صنع ممرات بحرية وبرية تقود إلى الميادين التنافسية ذات طابع المواجهة لإيران في الشرق الأوسط، والتي قد تستخدم لتهريب الأسلحة والعمليات الإرهابية.
خاتمة
مجمل القول إن النظام الايراني دائم التخطيط للوجود في منطقة القرن الإفريقي في إطار استراتيجيات واضحة تسهدف إحاطة أعدائه ومنافسيه، وحتى يتسنى له الوجود في المنطقة كرقم لا يمكن تجاوزه في كل ملفات وأزمات المنطقة لذلك أسرع الخطى لتوظيف حالة الاحتراب الداخلي في دولة إثيوبيا وأبان موقفه من الحرب الأهلية هناك وذلك من خلال فتحه جسرا جويا زود به قوات النظام الإثيوبي المنهارة بأسلحة وطائرات مسيرة حسب المعلومات المتناقلة.
ــــــــــــــــــ
إبراهيم ناصر
باحث في العلاقات الدولية