تأرجحت العلاقات المصرية الايرانية في النصف الثاني من القرن العشرين بين الفتور والصدام، اللهم إلا في حالة استثناء طارئ زالت بزوال المسبب لها، وظلت محكومة بأبعاد متعددة في أسبابها وخصائصها وتأثيرها، خاصة أنها تتسم بنوع من الخصوصية فرضتها الظروف المحيطة بالبلدين على المستويين الإقليمي والدولي، في الفترة من 1952 وحتى 1970.
العلاقات تاريخية
إن العلاقات التاريخية بين مصر وايران تعود إلى عهد قورش الكبير (حكم في ما بين 558 ـ 529 ق. م)، حيث جرت اتصالات بين بلاط هذا الملك الهخامنشي والبلاط الفرعوني، ثم مع ظهور الإسلام انضوت إيران ومصر تحت راية التوحيد وبالتالي قامت العلاقات بينهما على نحو مختلف عما كانت عليه قبل الإسلام، وقد سجل التاريخ شواهد متعددة على اختلاط الإيرانيين بالمصريين في العهود المتوالية، الفاطمي، الأيوبي، المملوكي، العثماني.
وكان يفد إلى مصر كثير من العلماء والمتصوفة الإيرانيين، من أمثال الليث بن سعد الفقيه المعروف، وعبد الله بن طاهر الذي ولّاه المأمون العباسي على مصر، والشاعر ناصر خسرو، صاحب كتاب «سفرنامه» في وصف مصر، الذي يتضح منه أنه كانت هناك علاقة تجارية بين البلدين، فضلا عن الشاعر سعد الشيرازي ونظيره الصوفي فخر الدين العراقي.
في اعتقادي أن طبيعة العلاقات الإيرانية ـ المصرية طيلة عهد الملك فاروق وحتى عام 1955، عام قيام حلف بغداد وانضمام إيران إليه، كانت عادية في جوانبها المختلفة ولم تشهد تحولات رئيسة خلال هذه الفترة، وذلك لاعتبارين: الأول أن مصالح البلدين لم تكن قد اتسعت وتشابكت إلى الحد الذي قد يفضي إلى توتر أو صدام بينهما، والثاني أن العلاقات بينهما لم تكن قد تعرضت لمحك عملي على مستوى السياسة الخارجية المباشرة تجاه بعضهما البعض من ناحية، ومن ناحية أخرى لم تكن هاتان الدولتان قد تعرضتا لآلة الاستقطاب التي تعرضتا لها خلال عقدي الخمسينات والستينات من القوتين العظميين، ومن ثم اكتفى البلدان بمجموعة من السياسات والتحركات الدبلوماسية التقليدية والمعتادة.
العامل البريطاني
ولقد ساعد الاحتلال البريطاني لكلتا الدولتين في تلك الفترة على توحيدهما، وأن تكون إحداهما صدى لما يحدث من أعمال نضالية ضد بريطانيا في الدولة الأخرى، خاصة أن الدولتين عانتا من ويلات الحرب العالمية الثانية، إذ إن اجتياح القوات البريطانية والسوفياتية للأراضي الإيرانية وإجبارها رضا شاه بهلوي على التنازل عن العرش عام 1941، وتكريس بريطانيا سيطرتها على الخليج العربي قد توازى زمنيا مع اجتياح القوات الألمانية والبريطانية للأراضي المصرية في شمالي غربها وتكريس بريطانيا لسيطرتها على قناة السويس، بل وكادت الضغوط البريطانية تطيح بالملك فاروق عن العرش عام 1942.
ويمكن القول إن تزامن ثورة 23 يوليو 1952 مع وجود حكومة مصدق الإيرانية الوطنية مثل إحدى حلقات الاتفاق في التوجهات السياسية للبلدين، وباتت الأهداف المشتركة، عاملا مهما للتجاذب، وأهمها سحب حكومة مصدق الاعتراف الإيراني بإسرائيل في يوليو (تموز) 1951 وهو ما سبب ارتياحا مصريا وعربيا، وكان محل تقدير مصر التي كانت تعتبر إسرائيل العدو الأول لها والمصدر الحقيقي للتهديد الماثل أمامها.
كما أن الكفاح المشترك ضد بريطانيا، بالإضافة إلى أن مصدق خاض عملية التأميم بشراسة، وهو ما كان مثار اهتمام عبد الناصر بدءا من تطورات الحركة الوطنية في أثناء أزمة البترول وحتى خروج الإنجليز من الميدان بعد التأميم، كل هذا ساعد في تقوية العلاقات، إضافة إلى مسارعة الحكومة الإيرانية إلى الاعتراف بالثورة المصرية وتأييدها لها.
حلف بغداد
إلى جانب كل ذلك شكّل قيام حلف بغداد عام 1954، الذي شاركت فيه إيران واحد من أهم المتغيرات التي حدثت للمنطقة وأحدثت تغييرا لمكونات النفوذ بها تحت وطأة حالة الاستقطاب التي تعرضت لها من قبل الدول العظمى، وبالقدر نفسه أصبح أحد نقاط تعارض المصالح الإيرانية ـ المصرية وتضادا مباشرا لمجمل توجهاتهما السياسية، وكذلك نقطة اختراق بينهما ظهرت نتائجه بعد أعوام قليلة.
ويرجع التباين إلي أن مصر كانت ترى أن الخطر والتهديد المحتمل مصدره إسرائيل، بينما روسيا ليست خطرا محدقا، نظرا لعدم وجود حدود مشتركة بين مصر والاتحاد السوفيتي، في حين كانت إيران ترى أن المصدر الحقيقي للخطر هو الاتحاد السوفيتي الذي كان الشاه خائفا من احتمال هجومه على الأراضي الإيرانية، كما أن مصر كانت ترى أن سياسة الأحلاف والتكتلات التي تعقد بين البلدان العربية والدول الكبرى غير موثوق بها.
في هذا الوقت كان الشاه يرى أن انضمام إيران للحلف سيحقق له تدعيم مركزه في الداخل والخارج، أيضا مصر كانت ترى أن الحلف يتناقض مع مبدأ الحياد، بينما كانت إيران قد تخلت عن سياسة «التوازن السلبي» التقليدية عقب الإطاحة بمصدق.
المؤكد في هذا الصدد أن الحكومة الإيرانية كانت تؤمن بأن القاهرة تسعى لتوظيف الدين الإسلامي الحنيف في تحقيق سياستها الخاصة في العالم الإسلامي، لذا فقد عقدت العزم على اقتناص أي فرصة لنقل مقر «دار التقريب الإسلامي» من القاهرة إلى أي مكان آخر، لأن هناك احتمالا أكبر لأن تصبح وسيلة لتحقيق الأهداف المصرية.
خاتمة
مجمل القول إن نظام الشاه كافح المد الثوري المصري داخل المجتمع الإيراني، إلا إنه لم يستطع القضاء على مكامن الثورة الشعبية، التي أطاحت به عام 1979 بعد وفاة عبد الناصر بحوالي 9 سنوات تقريبا، وبالرغم من احتفاظ الشاه بعلاقات ممتازة مع مصر في عهد السادات، إلا أن الشعب الإيراني كان قد ازداد إصرارا على التخلص من بهلوي، بعد أن أفقده القهر والظلم ـ الذي مارسه نظامه ـ مبررات استمراره ووجوده.