تشهد الأيام المقبلة إجراء الانتخابات الرئاسية الإيرانية الثالثة عشرة التي تحدد اسم الرئيس الثامن في تاريخ الجمهورية الإسلامية، ومما لا شك فيه أن الاهتمام الإقليمي والدولي بنتيجة الانتخابات وعما ستسفر عنه من تداعيات إقليمية ودولية ينبع مباشرة من المكانة التي تحتلها إيران كدولة كبيرة في إقليم الشرق الأوسط، فضلا عن انعكاسات الملف النووي الإيراني على بيئتي السياسة الدولية والإقليمية، ومسار العلاقة المتوقعة بين إيران وبين الولايات المتحدة الأمريكية، ثم الدور الذي تمارسة إيران في محيطها الإقليمي، والتصورات المتوقعة عن الاتجاه الذي سيسير على منواله الرئيس المقبل في ذلك الإطار.
المناخ العام الحاكم للانتخابات الرئاسيىة الإيرانية
اعتادت إيران على نمط محدد من حيث مجريات أمور سياق العملية الانتخابية، فالتفاصيل دوما متقاربة بين كل الاستحقاقات عبر تاريخ هذا البلد بدءا من العام 1979 وحتى الآن، كما أن المشهد العام دوما يحمل السمات ذاتها ما بين التنافس، والتشكيك، والتشهير، وترجيح مرشح على الباقي استناداً إلى الدعم المقدم له من الأطراف المحورية، إلى آخره.
على سبيل المثال: أشارت صحيفة اعتماد الإصلاحية إلى إبراهيم رئيسي كونه “الرئيس المرشح بلا منافس”، في دلالة واضحة على أن الرئيس الحالي للسلطة القضائية إبراهيم رئيسي هو الجواد الرابح، لا لكونه يحظى بالشعبية الواسعة أو استنادا لبرنامجه الانتخابي الذي يلبي احتياجات الإيرانيين؛ وإنما “لأنه تمت إزاحة المنافسين له”، وتحديداً الرئيس السابق لمجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني، والنائب الأول الحالي لرئيس الجمهورية إسحاق جهانغيري.
من ثم يرى أنصار هذا الرأي أنه تم الإبقاء على مرشحين غير منافسين فعليا لإبراهيم رئيسي الذي يحظى بدعم غير معلن من المرشد الأعلى، علي خامنئي، ذاته.
وفي سياق الإشارة إلى الانتقادات الواسعة لغياب التنافس الفعلي في الانتخابات الذي من شأنه التأثير على مستوى المشاركة الشعبية، يجد المراقب لتطورات المشهد أن الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني قال إنه إذا سقطت المنافسة في الانتخابات سقط الجسد؛ ما يعني أن الروح ستكون غائبة في هذا الاستحقاق وعليه من المتوقع أن تكون المشاركة في حدودها الدنيا.
انعكاسات العامل الاقتصادي على الانتخابات الإيرانية
يرى المحللون أن الاقتصاد لعب دوماً دوراً لا يستهان به في الانتخابات الإيرانية والأجندة التي يحملها المرشحون وذلك في ظل الظروف الاقتصادية التي تعايشها إيران بدءًا من العقوبات الاقتصادية، وصولاً إلى تداعيات فيروس كورونا المستجد ما أدى إلى أزمة اقتصاية وصل معها معدل التضخم إلى 50%.
وتنعكس بالطبع القرارات الاقتصادية على التوجهات العامة للرأي العام. علي سبيل المثال: حدث عند قيام الحكومة الإيرانية برفع أسعار البترول في نوفمبر 2019 أن قام الآلاف بمظاهرات في المدن الإيرانية، وتفاقم الأمر إلى مقتل مئات المتظاهرين على يد قوات الأمن، إذ عبر المتظاهرون عن رغبتهم في تنحية النخبة الحاكمة الإيرانية عن السلطة.
فالمواطن الإيراني يعطي أولوية لا يستهان بها للمشكلة الاقتصادية التي تفاقمت بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في عام 2018، حيث انكمش الاقتصاد بنسبة 5% العام الماضي، وتباطئ النمو منذ عام 2017.
يأتي في هذا السياق توجهان رئيسيان لمفهوم التغيير في إيران، وهما:
1 ــ التغيير الراديكالي عبر المظاهرات والاضرابات.
2 ــ أنصار التوجه السلمي الذين ينتهجون أسلوب التحول التدريجي من خلال عدة آليات أبرزها الانتخابات وصناديق الاقتراع.
مربع السياسة الإيرانية المحتمل للرئيس القادم
على الرغم من تفاوت التوجهات بين المرشحين وانتماء المرشح إبراهيم رئيسي (الأبرز فيما بينهم) للتيار المحافظ، يمكن القول إن إيران كدولة تخضع لعدة سمات مشتركة فيما يخص سلوكها الداخلي/ الإقليمي/ الدولي وهي تحديات ستحيط بالرئيس إبراهيم رئيسي الذي سيتطابق اسمه مع منصبه عندما يصبح رئيسا للبلاد، وهي:
أولا: الدور الذي يلعبه المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في النظام الايراني، والذي يعطي الانطباع لدي التيار الناقد لتغلغل نفوذه، أن الإمكانيات المتاحة للرئيس الإيراني القادم فيما يخص القرارات المصيرية ستظل محدودة للغاية ويندرج في هذا السياق مستقبل العلاقة بين إيران وبين الولايات المتحدة (التطبيع الرسمي) ومسألة الاعتراف بدولة إسرائيل.
بوجه عام يمكن القول إن سلطات الرئيس الإيراني تشمل ترشيح أعضاء الوزارة، ومشروع الميزانية الذي يتطلب بطبيعة الحال موافقة السلطة التشريعية (وحتى تلك الاختصاصات المحورية يمكن تقييدها من خلال نفوذ المرشد الأعلى).
فالسياسة والاستراتيجية العامة للدولة يحددها المجلس الوطني الأعلى الذي يترأسه رئيس الدولة لكن بدون تحكم مطلق، وذلك في ضوء أن إيران وإن كانت جمهورية كنظام سياسي للحكم إلا أنها تخضع لنظام ولاية الفقيه وفقا للمادة العاشرة بعد المئة من الدستور الراهن.
ثانيا: الالتزام بمعطيات الواقع الدولي والإقليمي، وذلك على الرغم من التحدي العلني من إيران للولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص البرنامج النووي، والتفاوت في الآراء داخل إيران تجاه التفاوض مع الولايات المتحدة ما بين النهج المحافظ الذي يرى عدم جدوى المفاوضات، والاتجاه الإصلاحي والوسطي الذي يؤيد التفاهم.
مع ذلك يمكن القول إن إيران كفاعل إقليمي تدرك جيدا مكانة الولايات المتحدة الأمريكية وتأثيرها على الشرق الأوسط ككل خاصة في ضوء طبيعة العلاقات الفعلية التي تجمع بين الولايات المتحدة وبين أغلب دول الشرق الأوسط في المستويين السري والعلني.
التحدي الأبرز تكمن خلفه مفاوضات وجولات سياسية ربما تكشف عنها الوثائق في العقود المقبلة ولكنها دوما تخضع في المدى القصير للتأويلات والتخمينات ما بين المؤيدين والمعارضين تحت ستار شجب نظرية المؤامرة في العلاقات الدولية.
ثالثا: من المتوقع استمرار إيران في مشروعها المحوري الخاص بدورها الإقليمي، وبالطبع تختلف التفاصيل ومسار التحالفات ما بين الرؤوساء (في ضوء القيود الداخلية والخارجية) لكن يظل الاتجاه العام واحداً لأن المشروع الإيراني مشروع نظام وليس مشروع فرد.
رابعا: يتوقع من الرئيس الإيراني القادم التعامل مع الوضع الاقتصادي كأولوية، حيث يتطلب منه تحفيز الوضع الاقتصادي الداخلي في إيران نحو الأفضل، وحسن استخدام الأداة الدبلوماسية خاصة في مجال التفاوض في البرنامج النووي.
وذلك في ضوء المفاوضات الجارية حاليا للعودة إلى الاتفاق النووي، ودعم خامنئي للمفاوضات وتوقعات المسؤولين الإيرانيين بشأن التوصل إلى اتفاق نهائي خلال شهر أغسطس 2021 قبل استلام الرئيس الإيراني الجديد مهام منصبه.
خاتمة
أصبح في حكم المؤكد أن يكون إبراهيم رئيسي هو رئيس البلاد في مساء الجمعة المقبل من الجولة الأولى في ظل غياب مرشح وازن في الجبهة الأخرى من قطبي السياسة في إيران، وفي يوم توليه السلطة سيواجه رئيسي 4 تحديات كبرى، 2 على المستوى الداخلي وهما الاقتصاد وتوازن صلاحياته مع سلطات المرشد الواسعة، و2 على المستوى الخارجي وهما البرنامج النووي ومفاوضات فيينا، إلى جانب علاقات بلاده المتوترة مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع أغلب دول الإقليم.