تعيد الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية الحديث مجددا عن أوضاع حقوق الإنسان المتردية في إيران كل مرة تزامنا مع احتدام السجالات السياسية، وقبيل اتخاذ القرارات ذات الطابع الاستراتيجي في المفاوضات، بما في ذلك مفاوضات الملف النووي الإيراني، وهو ما يعني أن ملف حقوق الإنسان في إيران يتخذ طابعًا سياسيًا وتستخدمه الدول الكبرى ــ لا سيما الولايات المتحدة ــ كأداة ضاغطة على النظام الإيراني لدفعه بالقبول بالتفضيلات الأمريكية في مسألة المفاوضات النووية.
مدخل
تتسم حقوق الإنسان “الأساسية” بالطابع العالمي international normative universality سواء على المستوى الإنساني أو المتصل بممارسة الحقوق السياسية، فهي ببساطة الحقوق التي يمتلكها الإنسان بوصفه إنسانًا، وهي تتمتع بصفة القبول العالمي ــ على الأقل لفظيًا أو كمعايير مُثلى ــ من خلال إعلان الدول الكبرى والصغرى على السواء عن قبولها لها والالتزام بالمعايير المفروضة في هذا السياق.
من ثَمَ يُعدُ اتهام نظام سياسي بانتهاك حقوق الإنسان من أقوى التهم التي يمكن أن تُثار على صعيد العلاقات الدولية، وتسعى كل الدول إلى إنكار قيامها بذلك بطبيعة الحال بصرف النظر عن القرائن والأدلة التي تُدينها.
وتسعى هذه المقالة إلى تسليط الضوء على نحو موجز على حقوق الإنسان والحريات في إيران وموقف الولايات المتحدة والغرب من الوضع الداخلي الإيراني في الشأن ذاته.
أوضاع الحقوق والحريات في إيران
بداية يمكن القول إن إيران ــ مثلها مثل كل دول الشرق الأوسط ــ تواجه انتقادات دائمة في مجال حقوق الإنسان والحريات، بما في ذلك إصدار الأحكام بالإعدام التي سجلتها منظمة “حقوق الإنسان في إيران”Iran Human Rights غير الحكومية التي تتخذ من النرويج مقرا لها وقد سجلت 318 عملية إعدام شنقا نفّذت العام الحالي.
ويشير مدير منظمة “حقوق الإنسان في إيران” محمود أميري إلى أن “السلطات الإيرانية تستخدم الإعدامات واسعة النطاق لبث الخوف في المجتمع لمنع أي تظاهرات جديدة مناهضة للحكومة”، وذلك بالإضافة إلى الحملات الأمنية التي تضمنت توقيف عدد من أقارب ضحايا قمع السلطات العنيف لتظاهرات نوفمبر 2019 الذين طالبوا بالعدالة لأفراد عائلاتهم.
وفيما يخص النظام القضائي، يتهم دعاة حقوق الإنسان النظام القضائي الإيراني بعدم الاستقلالية وخضوعه لنفوذ المحافظين، ويرجعون الكثير من انتهاكات حقوق الإنسان إلى الأحكام الصادرة عن محاكم الثورة التي يسيطر عليها المحافظون، إذ يوجد في إيران نوعان من المحاكم، محاكم تقليدية تختص بالنظر في قضايا الجنح والجنايات، ومحاكم ثورية تأسست عام 1979 بعد قيام الثورة الإسلامية وتتعامل مع القضايا السياسية والجرائم المتعلقة بالإساءة إلى الإسلام أو الذات الإلهية.
يتهم المراقبون الدوليون تلك المحاكم بافتقارها إلى إجراءات العدالة المطلوبة في أثناء نظر القضايا المطروحة عليها، إذ لا يتمكن المتهم من الاستئناف أمام دوائر قضائية أعلى، وتكال له تهم فضفاضة مثل زعزعة الأمن والسلم الداخلي أو إقلاق الرأي العام.
كذلك تواجه إيران انتقادات حادة من قبل المنظمات الدولية المراقبة لحقوق الإنسان وتوجه الانتقادات للنظام السياسي الإيراني بشأن محاكمة الصحفيين أمام محاكم غير متخصصة بالنظر في جرائم النشر.
أوضاع الأقليات الدينية في إيران
بالإضافة إلى ما سبق يتم توجيه النقد إلى النظام الإيراني بخصوص أوضاع الأقليات الدينية، إذ تنتقد منظمات حقوق الإنسان الدولية وضع الأقليات الدينية الموجودة ومنها البهائية والزرادشتية واليهودية والمسيحية التي تواجه القيود على الكثير من حقوقها وأنشطتها الدينية، بالرغم من وجود ممثلين عن بعض تلك الفئات في مجلس الشورى الإسلامي “البرلمان”.
كما دعا المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان روبرت كولفيل عام 2019 الحكومة الإيرانية إلى “إعادة تأمين وصول الإيرانيين إلى شبكة الإنترنت على الفور، بالإضافة إلى غيرها من أشكال التواصل التي تتيح حرية التعبير والوصول إلى المعلومات.
وبالرغم من ملاحظة كولفيل التحديات الاقتصادية الخطيرة التي تواجهها البلاد، بما في ذلك العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة، إلا أنه حث الحكومة الإيرانية على الدخول في حوار بنَّاء مع مختلف الجهات الفاعلة في البلاد فيما يتعلق بالتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المواطنون، وعلى العمل بشكل جماعي مع قطاع عريض من المجتمع بهدف التوصل إلى حل مستدام لهذه القضايا.
أوضاع الصحفيين في إيران
في عام 2020 تداولت الأنباء أن الصحفيين العاملين في خدمة BBC الفارسية وغيرها من وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية خارج إيران يواجهون التهديدات والتحقيقات الجنائية والمراقبة غير القانونية وتجميد الأصول والتشهير والمضايقة من قبل السلطات الإيرانية، كما تم استهداف العديد من الصحفيين بسبب التحدث علانية بشأن المضايقات التي يواجهونها وسعيهم إلى الحصول على الحماية من منظمات الأمم المتحدة.
وتتعدد الأنباء والاتهامات الموجهة لإيران في الشأن ذاته والتي يصعب حصرها بطبيعة الحال، ولكن مما لاشك فيه أن الموقف الدولي من إيران فيما يخص الوضع الداخلي وحقوق الإنسان والحريات بها لا يمكن فصله عن موقف الولايات المتحدة والغرب منها فيما يخص الملف النووي الإيراني والدور الإيراني في الشرق الأوسط.
للدلالة على ذلك يمكن تدبر تأكيد الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرا خلال قمة جدة للأمن والتنمية مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن الشرق الأوسط، ولن تترك فراغاً متاحاً للدور الصيني / الإيراني / الروسي، وذلك في ضوء التزام الولايات المتحدة ببناء مستقبل إيجابي في المنطقة بالشراكة مع الدول المعنية.
بينما قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني: “إن المزاعم والاتهامات التي قالها الرئيس الأمريكي جو بايدن في خلال جولته الشرق أوسطية ومنها تصريحاته في قمة جدة مرفوضة ولا أساس لها، وإن هذه المزاعم تأتي في سياق استمرار السياسة الأمريكية القائمة على خلق الفتن وبث التوتر في المنطقة”.
الموقف الدولي من الحريات في إيران
في إطار الصورة العامة السابقة لموقف الولايات المتحدة، يتضمن المشهد انتقادات أمريكية شديدة للحريات في إيران، والتي ينكرها النظام الإيراني، ومن الجدير بالذكر أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن سبق وفرضت عقوبات على مسؤولين إيرانيين في الحرس الثوري خلال العام الماضي إذ بات محظورا عليهما دخول أراضي الولايات المتحدة لضلوعهما في الاعتداء الجسدي على موقوفين خلال استجوابهم.
كما تم تصنيف إيران في المرتبة 178 بين أسوأ الدول على مؤشر الصحافة العالمية لعام 2022 في ضوء اتهامها بممارسة سياسة القمع والتضييق على الصحفيين، ومراقبة النشر.
لكن إيران تتبع نهج الرد المواجه للولايات المتحدة من مبدأ تبادل الانتقادات والتهم الخاصة بحقوق الإنسان، وأشار كاظم غريب آبادي، نائب رئيس السلطة القضائية للشؤون الدولية وأمين المجلس الأعلى لحقوق الإنسان إلى “إن الولايات المتحدة، باعتبارها المنتهك الرئيس لحقوق الإنسان، ليست في وضع يمكنها من التعليق على وضع الحقوق في البلدان الأخرى”.
مدد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ولاية المقرر الخاص لحقوق الإنسان في إيران، جاويد رحمن، وأشارت منظمات حقوق الإنسان الإيرانية والدولية في رسالة قدمتها إلى المجلس المذكور “أن تجديد هذا التفويض ضروري في ضوء استمرار نمط الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات الإيرانية”.
لكن رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، قرار الأمم المتحدة بشأن وضع حقوق الإنسان في إيران، قائلاً: “إن بريطانيا ودولاً غربية أخرى صاغته بناءً على مزاعم لا أساس لها وخالية من الشرعية القانونية”.
في هذا الصدد قامت ألينا دوهان، المقرّرة الأممية المعنية بالآثار السلبية للتدابير القسرية الأحادية الخاصة بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، بزيارة إلى إيران خلال شهر مايو من العام الجاري بالتزامن مع الأحداث الأخيرة التي تعرض لها محتجون إيرانيون، ورصدت أن البلاد تعاني من نقص حاد في المواد الغذائية وارتفاع أسعارها، ونقص الطحين مما أدى لتوقف مخابز كثيرة، وهو ما أدى إلى نشوب الاحتجاجات.
وأدانت نائبة المفوضة السامية لحقوق الإنسان انتهاكات حقوق الإنسان وقمع الاعتراضات في إيران في ضوء أن الاستخدام المفرط للقوة كان رد الفعل الرئيس للمسؤولين الإيرانيين على التجمعات، وأضافت أنه “في إبريل ومايو 2022، تم اعتقال ما لا يقل عن 55 شخصًا، بينهم مدرسون ومحامون ونشطاء حقوقيون وأكاديميون، خلال الاحتجاجات، والعديد منهم متهمون بتهديد الأمن القومي”.
خاتمة
مما لا شك فيه أن الاهتمام الأمريكي الغربي بأوضاع حقوق الإنسان عامة وإيران خاصة لا ينفصل عن دوافعها السياسية الأخرى، وبالطبع لا يمكن إنكار واقعية الرد الإيراني الخاص بعدم أهلية النظام الامريكي للدفاع عن الحريات بالنظر إلى تاريخه وحاضره المعروف للجميع، وذلك على الرغم من أن انتهاك الحقوق غير مبرر بطبيعة الحال تحت أي دعاوى على مستوى كل الدول.
ولكن تبقى ملاحظة في صورة تساؤل عن التدخل الخارجي في شؤون دولة لنقد انتهاك الحقوق والحريات بها، وهي عن كيفية إجبار أية حكومة على احترام حقوق الإنسان؟!
فعلى سبيل المثال: يري جاك دونللي في كتابه عن حقوق الإنسان العالمية بين النظرية والتطبيق أن الجهة الوحيدة المقبولة للتدخل هي الشعب الذي تتعرض حقوقه للخطر، فالنجاح النهائي لنظام ما من حيث استمراريته في احترام وإنفاذ وتطبيق حقوق الإنسان يعتمد أساسا على العوامل السياسية الداخلية.
إن وجود حكومة تحترم حقوق الإنسان هي دائما نتاج نضال سياسي وطني متواصل ضد انتهاكات الحقوق، فالتوجه في هذا الصدد يكون من القاعدة للقمة، “فلا يحتمل أن تؤدي السلطة الأبوية سواء كانت وطنية أو دولية إلى احترام مُستدام للحقوق في دولة ما”.
فالتدخل الخارجي ليس أكثر العوامل أهمية في هذا الشأن خاصة مع أهدافه المشكوك بها على الدوام، وأن الواقع يشهد تعامل الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة بإيجابية مع النظم السياسية أيا كانت توجهاتها إذا ما لجأت إلى تسوية الملفات السياسية والعسكرية والاقتصادية على نحو مواتي لمصالحها.
بينما يتم طرح كل الملفات بصفة عامة من المنظور النقدي وعلى رأسها حقوق الإنسان، على هامش ما تريد الدولة الكبرى تحقيقه إذا كانت الدولة المعنية (مارقة) في سلوكها، ولعل الأيام المقبلة تشهد تطورات مُتوازية بين تسوية وضع الملف النووي الإيراني وانعكاس ذلك على “النقد الأمريكي/ الأوروبي الموجه لوضع الحقوق والحريات في إيران”.