أصبحت طالبان على مرمى حجر من العاصمة الأفغانية كابول بعد أن أحكمت سيطرتها على طول البلاد وعرضها، وهو الأمر الذي أدى إلى اضطراب الأجواء بداخل العاصمة الأفغانية، وولّد حالة من الاستسلام التام لقوات الأمن الحكومية بداخل العاصمة، وجعل الولايات المتحدة الأمريكية تعلن عن إرسال خمسة آلاف جندي لتأمين إجلاء مواطنيها من البلاد.
على حدود العاصمة
بعد سيطرة طالبان على مدينة جلال آباد آخر معاقل الحكومة في شمالي البلاد لم يجد الفارون من المدن المجاورة إلا العاصمة كابول حيث مركزية الحكومة بعد الانتهاكات التي حدثت في البلدان المجاورة، وبالتالي بدأت طالبان في محاسبة كل المواطنين الخارجين عن قانونها، ومن ثم تم فرض ارتداء البراقع على النساء.
ونقلت وسائل الإعلام الدولية عن شهود عيان أن الجماعة عاقبت بالجلد من رفض قوانينها، إذ قامت الحركة بأمر السكان بتسليم الفتيات غير المتزوجات ليكن زوجات لمقاتليهم؛ لذلك سعى سكان المدن الرئيسة إلى الفرار إلى العاصمة كابول رفضا لهذه السياسات.
وضع لا يحسد بايدن عليه
من الممكن القول إن الولايات المتحدة فشلت في السيطرة على زمام الأمور في أفغانستان والدليل على ذلك 20 عاما من المحاولات الأمريكية لفرض الاستقرار في أفغانستان ومكافحة حركة طالبان حتى أصبحت طالبان علي حدود العاصمة كابول من كل الجهات من دون رد فعل أمريكي رادع، ولعل هذا الأمر يجعل الرئيس جو بايدن في وضع لا يحسد عليه.
إزاء تلك التطورات المصيرية في أفغانستان اكتفى البيت الأبيض في الساعات الماضية بالحلول الكلامية وأعلن أنه سيرسل خمسة آلاف جندي لتأمين خروج المواطنين والدبلوماسيين من العاصمة كابول وقال بايدن بصيغة انسحاب إنه لن يمكنه التدخل في الأزمة وسط النزاع الأهلي الواقع في أفغانستان.
وقد جاء انسحاب الولايات المتحدة على الرغم من أنه انتهاك واضح لاتفاق السلام الذي تم بين طالبان وبين ترامب في قطر عام 2020، وعليه يبدو واضحا أن طالبان في طريقها إلى أن تكون جزءا مركزيا من مستقبل أفغانستان وأن الرئيس أشرف غني أصبح جزءا من التاريخ في هذه البلاد.
وبعد سيطرة طالبان علي بعض ترسانات الأسلحة الأمريكية الخاصة بالجيش الأفغاني اعتبر المراقبون أن هذا بمثابة دعم مجاني لقوات طالبان، كما أن استسلام القوات الأفغانية الحكومية المدعومة أمريكيا أمام الحركة ونجاح طالبان في الوصول إلى العاصمة معناه أن الأيام المقبلة لن تحمل إلا التسليم التام لحكم طالبان أو على الأقل إشراكهم في أي حكومة تعقب أشرف غني، الذي كان قاب قوسين أو أدنى من دعوة طالبان إلى التفاوض من أجل الاستقرار والتعبئة الشعبية، ولعل المشهد الراهن يشي بأن غني لم يعد يحظى بالحد الأدنى من الدعم الدولي.
الموقف الإيراني
اتخذت إيران موقفا ظاهريا محايدا من تطورات المشهد وقال سعيد خطيب زاده المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن “أمن أفغانستان من أمن إيران، وأن طالبان جزء من النسيج الأفغاني”.
غير أن تحليل منطوق حديث المتحدث باسم الخارجية الإيرانية يحمل في طياته ما هو أعمق من جرد الحديث عن كون طالبان جزء من المجتمع، وتكشف كلمات زاده عن إيران باتت أكثر اقتناعا من أي وقت مضى بضرورة دمج حركة طالبان في حكومة لا يشترط أن يقودها الرئيس أشرف غني الذي كان في طهران يوم الخميس قبل الماضي.
وبرهان ذلك أن تولي طالبان مقاليد الحكم بالإضافة إلى الانسحاب الأمريكي يعتبر انتصارا إقليميا تصوريا لإيران على الأقل فيما يتعلق برغبة إيران الدائمة في إبعاد القوات الأمريكية عن حدودها مخافة أن تكون أداة لإرغامها حال وقوع أي نزاع مسلح بين الجانبين.
خاتمة
بناء على ما تقدم بات واضحا أن طالبان في طريقها لاستقبال السلطة بدون أدنى مقاومة من جانب الحكومة، أو من جانب المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي خسرت نقطة مهمة من نقاط تمركزها في أسيا ظلت حصينة ومستقرة لأكثر من عشرين عاما.
ــــــــــــــــــ
عمرو وليد العدل
باحث مساعد في الشؤون الدولية