تشكلت النواة الأولى لجماعة أنصار الله الحوثي عام 1992، على يد حسين الحوثي المؤسس الأول لجماعة الحوثيين الذي تأثر بإيران وبالخميني وبالثورة التي قادها في إيران عام 1979، ولم تخل محاضراته وخطبه من ذكر الخميني، إذ كان يرى فيه القدوة التي يجب اتباعها، فنقل هذه التجربة إلى اليمن، وحشد أتباعًا من حوله، وكسب ولاءهم وأحيا المناسبات الدينية الشيعية الجعفرية، ثم بدأ تأسيس مجموعة شبابية أطلق عليها اسم «منتدى الشباب المؤمن» والتي أكمل تأسيسها كل من محمد عزان ومحمد بدر الدين الحوثي، إلا أن ذلك المنتدى لم يستمر طويلاً بسبب الانشقاقات التي دبت في صفوفه وتحول على إثرها اسم المنتدى من مدلول ثقافي فكري، إلى مدلول سياسي وتحور إلى «تنظيم الشباب المؤمن» الذي قاده حسين بدر الدين الحوثي، وأصبح مرجعية عليا للتنظيم كما أطلقوا عليه وتم إقصاء الآخرين بعد خصومات بين الأطراف بسبب اتهامات للبعض بالانقلاب على مبادئ الزيدية وهي إحدى فرق الشيعة.(1)
في عام 2004 اغتيل حسين بدر الدين الحوثي على يد قوات النظام لاتهامه بقيادة جماعة تسعى لقلب نظام الحكم، وبعدها نشأ الجناح المسلح لتنظيم أنصار الله الحوثي بسبب تلك المناوشات التي دارت من وقت لآخر بين الحكومة والجماعة في ذلك الوقت بسبب رفع قائد الجماعة شعارًا يعادي من خلال كلماته الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل والذي جاء فيه «الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل.. اللعنة على اليهود.. النصر للإسلام»، أما عن أماكن تواجدهم بكثافة فقد مثلت محافظات الشمال كصنعاء وصعدة وحجّة وذمار أبرز أماكن تمركز طوائف الشيعة في اليمن.
بداية الانشقاق داخل الحوثيين القدامي
بدأت القصة في محافظة صعدة (شمال صنعاء)، حيث يوجد أكبر تجمعات للزيدية في اليمن، وفي عام 1986م تم إنشاء «اتحاد الشباب»، وهي هيئة تهدف إلى تدريس المذهب الزيدي لمعتنقيه.
وقد كان بدر الدين الحوثي – وهو من كبار علماء الزيدية آنذاك – من ضمن المدرسين في هذه الهيئة، وفي ذلك الوقت حدث خلاف كبير بين بدر الدين الحوثي وبين بقية علماء الزيدية في اليمن حول فتوى تاريخية وافق عليها علماء الزيدية اليمنيون، وعلى رأسهم المرجع مجد الدين المؤيدي، والتي تقضي بأن شرط النسب الهاشمي للإمامة صار غير مقبولاً اليوم، وأن هذا كان لظروف تاريخية، وأن الشعب يمكن له أن يختار مَن هو جدير لحكمه دون شرط أن يكون من نسل الحسن أو الحسين رضي الله عنهما.
هذه الفتوى اعترض عليها بدر الدين الحوثي، خاصة أنه من فرقة “الجارودية”، وهي إحدى فرق الزيدية التي تتقارب في أفكارها نسبيًّا مع الاثني عشرية، إذ تطور الأمر أكثر مع بدر الدين الحوثي، وبدأ يدافع بصراحة عن المذهب الاثني عشري، بل إنه أصدر كتابًا بعنوان «الزيدية في اليمن»، يشرح فيه أوجه التقارب بين الزيدية والاثنى عشرية، ونظرًا للمقاومة الشديدة لفكره المنحرف عن الزيدية، فإنه اضطر إلى الهجرة إلى طهران حيث عاش هناك عدة سنوات.
نظرة عامة على علاقة إيران بالحوثيين
ارتبطت جماعة أنصار الله الحوثي بإيران ارتباطًا وثيقًا بعد لجوء بدر الدين الحوثي إليها عقب تلك الأزمة، بحيث تقاربت المذاهب بين الطرفين إلى حد كبير، وكان لطهران دوافعها في مساندة الحوثيين في اليمن، وتمثلت تلك الدوافع في:
1- تقارب المذاهب: وصل إلى حد تحول المذاهب من «الزيدية» الذي كان معتقد كل أنصار الحوثي إلى المذهب الجعفري الاثنى عشري، بعد أن توثقت علاقة زعيم الحركة بإيران بشكل كبير، وما أن آمنوا بالمذهب الداخل الجديد على اليمن، حتى كفروا بكل القيم السياسية الأخرى، فكفروا بالنظام الجمهوري وبالدستور والقانون وآمنوا بالثورة الخمينية التي اندلعت عام 1979 وكانوا أحد المباركين لها، واعتبروا الثورة اليمنية والنظام الموجود إنقلابًا على نظام الإمام وحكم ولاية الفقيه.
2- دوافع توسعية: بعد أن نجحت الثورة الإيرانية الخمينية زادت طموحات إيران التوسعية وخطتها بتصدير الفكر الشيعي إلى كل دول المنطقة، وهو ما قاد طهران إلى نسج علاقة مع جماعة الحوثي في صعدة شمالي اليمن، ودعمتها مالياً وعسكرياً بعد تبني الجماعة المتمردة فكر إيران الطائفي الدخيل على اليم.
وتكشفت علاقة جماعة الحوثي بإيران ـ بجلاء ـ في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، بدءاً من استقطاب قيادات الحركة ومناصريها وإرسالهم إلى مدينة قم الإيرانية للتعليم الديني، حيث شكلت مدينة «قم» نقطة انطلاق جماعة الحوثي من إيران، في الوقت الذي تعتبر فيه تلك المدينة الحوزة العلمية التي يتمركز فيها المركز العلمي الديني للشيعة بعد النجف وتزخر بالعديد من المؤسسات والمدارس العلمية التي يزيد عددها على 60 مؤسسة ومدرسة منها المدرسة الفيضية وجامعة دار الشفاء والمدرسة الحجتية والجامعة المعصومية ومدرسة الكلبايكاني ومدينة العلم وجامعة الزهراء وجامعة الصدوق وجامعة المفيد وجامعة قم وجامعة المصطفی.
3- الدعم العسكري: كان للدعم العسكري الذي قدمته طهران لحركة أنصار الله الحوثي أثر كبير في تحقيق الدوافع التوسعية الإمبراطورية التي تسعى لها إيران، من خلال محاولاتها الجادة بسط نفوذها وأذرعها العسكرية وميليشياتها المسلحة في دول الشرق الأوسط كافة بداية من الحشد الشعبي في العراق، مرورًا بحزب الله في لبنان، وصولًا إلى حركة حماس والجهاد في فلسطين، حتى الحوثيين في اليمن، لتشكل بذلك طهران شبكة عنكبوتية من الأذرع المسلحة في الدول المحيطة بها لتنفيذ مخططاتها التوسعية من خلال نشر أفكارها الشيعية في كل دول المنطقةز
هذا بالإضافة إلى رغبة إيران نفسها في بسط نفوذها على مضيق باب المندب أحد أهم ممرات الملاحة في العالم، حتى أن ذلك الدعم العسكري مكن الحوثيين من خوض الحروب الست التي شنتها الحكومة عليها بين عامي 2004 و2010، وتمثلت ذروة هذا الدعم خلال الانقلاب على حكم الشرعية، حيث لم يجد الحوثيون حرجاً في كشف علاقاتهم بإيران التي تحولت إلى شريك إستراتيجي، فهبطت الطائرات الإيرانية في مطار صنعاء محملة بعناصر الحرس الثوري، إضافة إلى مواد وتكنولوجيا عسكرية.
نظرة تاريخية.. مدينة «قم» وانطلاقة «الحوثي» من جديد
ما إن حل العام 1985 حتى حط بدر الدين الحوثي ـ والد عبد الملك بدر الدين الحوثي القائد الحالي لجماعة أنصار الله الحوثي ـ رحاله في مدينة قم الإيرانية، واتخذها مركزاً لإعداد خطته، ولإرسال واستقبال الشباب من محافظة صعدة، بعد تدريبهم وتأهيلهم فكرياً وعسكرياً واستخباراتياً.(2)
في غضون ذلك وصل العشرات من شباب هذه المحافظة – التي تركتها السلطة المركزية في صنعاء أسيرة نفوذ الفكر الإمامي، منذ إطاحة هذا النظام الذي كان يحكم شمال اليمن حتى العام 1962 – إلى طهران، حيث احتفظ قادة هذا الفكر بالنفوذ الاجتماعي والديني والسياسي طوال 50 عاماً.
وفي عام 1988 استقبلت إيران كلًا من حسين بدر الدين الحوثي وعبد الملك بدر الدين الحوثي، ليشكلا سويًا أول كيان منظم للتيار يقف في وجه النظام اليمني الذي أوقف نفوذهما عام 1962، بالإضافة إلى كل من محمد عزان أمين عام منتدى الشباب المؤمن، ونائبه عبد الكريم جدبان، اللذان التقيا بالخميني وعلي خامنئي وهاشمي رفسنجاني، وفق ما أقر بذلك عزان عقب خلافه مع عائلة الحوثي وانشقاقه عنهم فيما بعد.
عمدت قيادات جماعة الحوثي إلى تبادل الزيارات بين صعدة وطهران وبالتحديد إلى مدينة «قم» حيث استقبلت المدينة عددًا وفيرًا من الشباب دعاة الفكر الإمامي، إيذاناً ببدء النشاط العلني للتنظيم، ومع هذا النشاط عاد بدر الدين الحوثي من «قم» إلى «صعدة»، وتولى افتتاح الحوزات العلمية، لنشر الفكر الأمامي وتجنيد الاتباع، كما تم تأسيس حزب «الحق» ليكون واجهة التنظيم السياسية الذي تمكن فيما بعد من الحصول على مقعدين بمجلس النواب اليمني حصدهما كل من حسين بدر الدين الحوثي وعبد الله الرزامي، كممثلين للحزب عن محافظة صعدة.
أما «منتدى الشباب المؤمن» فكان يعمل بالتوازي مع تحركات القيادات السياسية، فعمد إلى إقامة المنتديات والمعسكرات الصيفية للشباب المنضمين إليه، وأغلبهم من صغار السن، وبدأوا في تعليمهم بأسلوب مذهبي متطرف قائماً على التعريف بالنقاء السلالي، والأحقية في الحكم، كما كانوا يجبرون هؤلاء الشباب على مشاهدة أفلام وثائقية عن سقوط نظام الشاه في إيران، وكيف قامت ثورة الخميني، وخلال هذه الفترة تم إرسال المئات من الشباب إلى إيران ولبنان، لتلقي تدريبات عسكرية واستخباراتية وفنية في مجال الإعلام، وإنشاء شبكات الاتصالات الخاصة، وصناعة المتفجرات، حتى تشكلت الميليشيات المسلحة لأنصار الله الحوثي التي تحارب الآن في اليمن ضد النظام الشرعي المنتخب من الشعب وسيطرت على عدد كبير من مؤسسات الدولة الإدارية والمالية والعسكرية والإعلامية.
ماذا لو لم يتدخل التحالف العربي بعد انقلاب الحوثي؟
بدأ التدخل العربي رسميًا لوقف الانقلاب الحوثي على الشرعية في اليمن حينما تحالفت الأقلية الحوثية المدعومة من إيران مع فريق المقتول علي عبد الله صالح وبعض الفصائل الجنوبية وحاصروا القصر الرئاسي في صنعاء في أثناء وجود الرئيس هادي، الذي نجح في الهروب إلى عدن ثم لحقوا به لاغتياله، فاستنجد بالسعودية للتدخل وحماية الشرعية، ثم غادر إلى الرياض حتى تتم مراجعة الأمور وتسويتها.
في تلك الأثناء ازدادت الأقلية الحوثية بعد أن أصبحت قوة عسكرية بانضمام الحرس الرئاسي لصالح وتلقي دعم مباشر من إيران، حتى إن الرحلات الجوية بين طهران وصنعاء كانت تنقل أفراداً من الحرس الثوري الإيراني إلى اليمن تمهيداً لحشد عسكري قادم وتثبيتاً لوجود إيراني دائم في اليمن.
كانت سياسة الحوثيين في السيطرة على مقاليد الأمور في اليمن تتمثل في سلوك قطاع الطرق؛ فاستولوا على مؤسسات ووزارات حكومية، واقتحموا البيوت ونهبوها في صنعاء وفجروا بعضها، وحتى بعد توقيع اتفاقية السلم والشراكة، لم يتغير الأمر كثيراً، كان الحوثيون وصالح قد عزموا أمرهم على السيطرة وتهميش بقية الشركاء.
ومع الاستعداد اللوجيستي الهائل الذي يمتلكه صالح من خلال سنوات طويلة من الدعاية بأنه يحارب «القاعدة» وإمداده من السعودية والولايات المتحدة بالعتاد العسكري، ومع وجود إيراني داعم للحوثي كانت المعركة بالنسبة إليهم محسومة، ولا سبب يدعوهم للتراجع، فحملت السعودية القضية اليمنية عبئاً على كتفها بعد أن سقطت صنعاء بيد المتمردين، وانهارت الشرعية، وتجرأ الانقلابيون على تهديد الحدود السعودية بعد أن أخذتهم غطرسة التمكين وغرور القوة.
ببساطة يمكن تخيل الوضع في اليمن لو لم يتشكل تحالف عودة الشرعية، فالهدف لن يتوقف عند الاستيلاء على اليمن، كانت هذه مقدمة لأمر جلل، يتجاوز الدولة المريضة بالفقر والغنية بالوفرة السكانية، وعلينا أن لا ننسى أن صالح الذي شن حروباً ستة على الحوثيين انتهى به المطاف للتحالف معهم، وإيران التي رأت في اليمن لبنان آخر، لن تمانع في التعاون مع التنظيم الإرهابي الذي تؤوي بعض قياداته في طهران، وتعاونت معه في استهداف السعودية كما حصل في تفجير مجمع سكني للقوات الأمريكية في مدينة الخبر السعودية، لذلك اليمن كان مرشحًا ليكون بؤرة لتصدير الإرهاب ليس فقط للسعودية بل لكل العالم، لسهولة إسقاط شرعية الدول وشرعنة الفوضى.(3)
في سياق آخر بدا من تصريحات عبد الملك الحوثي التي يطلقها بين الفينة والآخرى أثناء حربه في اليمن والتي يؤكد فيها دائمًا أن «الصلاة المقبلة ستكون في السعودية»، مثلت منعطفًا خطيرًا على التحرك العسكري للمملكة العربية السعودية وحلفاؤها في التحالف العربي العسكري الذي بدأ عملياته العسكرية فيما يعرف بـ«عاصفة الحزم».
ولقد مثلت تلك التصريحات الهدف المنشود والذي أفصح عنه الإيرانيون أنفسهم من وقت لآخر في أثناء احتفالاتهم بالنصر في عدة معارك بأنه لم تكن العواصم التي يسيطر عليها الفكر الإمامي هي المنشودة فقط، وإنما مكة المكرمة، العاصمة الدينية والروحية لكل المسلمين في العالم، والدليل على ذلك تلك الصواريخ التي يطلقها الحوثيون من وقت لآخر والتي تسقط على أراضي المملكة العربية السعودية وتتلقفها الدفاعات السعودية، والتي يظهر بعد ذلك أنها صناعة إيرانية مدت بها طهران أذرعها الحوثية لمهاجمة المملكة.
عليه فإن التدخل العربي من خلال التحالف العسكري أحدث توازنًا عسكريًا وأوقف المد الشيعي ـ الحوثي إلى حد كبير وأرجع بعض المدن اليمنية إلى أحضان الدولة التي استلبها الحوثي تحقيقا لإستراتيجية إيران الرامية إلى السيطرة على أكبر عدد من العواصم العربية عن طريق الوكلاء وليس عن طريق الاحتلال التقليدي المباشر الذي اتبعته في عصور سالفة.
ـــــــــــــــــــ
(1) “الحوثيون”.. من حركة ثقافية إلى قوة تهز كيان اليمن، نون بوست. https://bit.ly/2ML9Gih
(2) اليمن.. رحلة الحوثيين من قم إلى صعدة والدعــم الإيراني، مركز البيان للدراسات. https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2017-03-04-1.2876099
(3) أمل عبد العزيز الهزاني.. ماذا لو لم يتدخل «التحالف» في اليمن؟ (مقال)، صحيفة الشرق الأوسط. https://bit.ly/2w5pFhE