أعلن الحرس الثوري، في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، مسؤوليته عن إطلاق عدد من الصواريخ الباليستية، على قاعدتين تضمان أفرادًا أمريكيين بالأنبار وأربيل في العراق، فيما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن عدم وقوع ضحايا في العملية التي جاءت ردًا على مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، لكن ما الذي يدور في كواليس تلك الضربة التي تضاربت التصريحات حول خسائرها، فبينما أعلنت إيران عن أنها أسقطت نحو 80 قتيلا أمريكيا أعلنت أمريكا غير ذلك؟ وما الذي يمكن أن نفهمه ونستقرأه من هذا التطور؟ مستشارو وخبراء وباحثو “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” يجيبون عن تلك الأسئلة.
الدكتور محمد محسن أبو النور | مؤسس ورئيس ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”، متخصص في الشؤون الإيرانية
ما من شك في أن السلطات الإيرانية كانت أمام سيرورة حتمية من الرد على عملية مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، لكنها مع ذلك كانت تعي ـ تمام الوعي ـ أن الرد يجب أن يكون محسوبا وفي إطار غير استفزازي للولايات المتحدة الأمريكية، المقبل رئيسُها على انتخابات في خريف هذا العام والذي لن يسمح أن تسقطه عملية عسكرية إيرانية وتوقع جنوده قتلى مجانا في بلاد بعيدة.
عليه جاءت تلك العملية الإيرانية في صورة تكتيكية دعائية أكثر منها عسكرية؛ لأنها لم تسفر عن قتلى وفقا لشهادات شهود العيان المحليين العراقيين الذين أكدوا أن الصواريخ الإيرانية سقطت في أماكن غير مأهولة في هاتين القاعدتين، وبالتالي حقتت إيران الغرض الدعائي أمام الرأي العام الداخلي وأمام وكلائها في الإقليم من دون أن تجبر البنتاجون على رد كبير يدحرجها إلى عمليات عسكرية موسعة متبادلة ليس لها قبل بها في ظل اقتصادها المتردي وأزماتها الداخلية الحادة.
مع ذلك لا يمكن أن يغيب عن ناظرنا أن مجرد تفكير إيران في القيام بعملية مباشرة تنطلق من أراضيها على قاعدة أمريكية في المنطقة هو تطور كبير لم يسبق له نظير في الأربعين عاما الماضية، وهو تحد من نوع خاص قد يضر الولايات المتحدة على المدى البعيد ويفقدها بعضا من هيبتها كأكبر منتج ومصدر للسلاح في العالمِين، سيخلص تنافسا حادا بين التكنولوجيا التسليجية الروسية التي تعتمد عليها إيران ونظيرتها الأمريكية.
في المجمل أدت تلك العملية إلى انفلاش الوضع في العراق الذي تحول إلى ساحة مواجهة صريحة بين طهران وواشنطن، والذي يمكن أن توضع عملية اغتيال قاسم سليماني كنقطة فاصلة في تاريخه المعاصر، بحيث يتم التأريخ للعراق ونقول: عراق ما قبل مقتل قاسم سليماني وعراق ما بعد مقتل أبرز عسكري إيراني في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
محمد الكناني | باحث في برنامج الدراسات العسكرية بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية”، متخصص في الشؤون العسكرية
تبين من خلال تلك العملية أن عدم سقوط قتلى مع بعض الخسائر الثانوية أن تلك العملية مجرد ضربات لحفظ ماء الوجه، والمفترض والطبيعي أن يتم رصد منصات إطلاق تلك الصواريخ وضربها بالطيران أو الصواريخ الجوالة ولكن يؤخذ في الاعتبار أن تكون قد انطلقت من منصات متحركة وسيتم إبعادها عن مواقع الإطلاق بعد التنفيذ فورًا، فإيران لا تحتاج لصواريخ مداها أكبر من 350 – 500 كم بحد أقصى لتصل لقاعدتي أربيل والأنبار التي تم استهدافهما.
أي أن الصواريخ المستخدمة في القصف صواريخ باليستية تكتيكية يبدأ مداها من 50 كم ويصل إلى 500 كم، وتدخل تحت تصنيف الصواريخ الباليستية قصيرة المدى التي لا يزيد مداها عن 1000 كم، تلك الصواريخ تم إطلاقها من منصات أرضية سواء صوامع Silos أو من قواذف متحركة.
ومن خلال متابعة الأحداث فقد بدأت الضربات تقريبا الساعة 2 صباحًا بتوقيت بغداد، وقال المسؤولون العراقيون إنه تم إبلاغهم من الجانب الإيراني بالضربات منتصف الليل، وأن الرد على مقتل قاسم سليماني قد بدأ أو سيبدأ، ولكن السؤال هنا هل كانت مدة الساعتين فقط كافيتين لإخلاء القاعدة؟ بالطبع لا. والأمريكان قالوا إن جنودهم بقوا بداخلها، وهذا يعني أن هناك تحصينات قوية بما يكفي، بالإضافة إلى أنهم واثقين من أن إيران لن توجه ضربات مباشرة لهم.
فضلًا عن أن دقة الصواريخ الإيرانية ضعيفة للغاية بمعني أنها تصل إلى 500 متر بعيدًا عن نقطة الهدف، وأن الأمريكان أنفسهم يتابعون كل التحركات الإيرانية العسكرية على مدار اليومين الماضيين سواء من خلال الأقمار الاصطناعية أو من خلال معلومات الاستطلاع والتجسس.
محمد خيري | باحث بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”، متخصص في الفلسفة السياسية
العملية التي قام بها الحرس الثوري وأطلق من خلالها عدة صواريخ استهدفت قواعد تضم جنودًا أمريكيين جاءت لحفظ ماء وجه إيران أمام المجتمع الدولي وللاستهلاك الداخلي، وحتى لا يخسر النظام الإيراني ما تبقى له من تأييد شعبي، حتى ولو كان ضعيفًا.
وفي المحصلة فإن النظام الإيراني سيكتفي بما قام به، على اعتبار أنه أصبح يهدد الولايات المتحدة وقواعدها وجنودها في منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف التي أكد من خلالها أن إيران لا تريد التصعيد وأن “الأمر انتهى” وهو ما يوضح أن النظام الإيراني سيكتفي بما قام به وسيستغل ما حدث كنوع من البروباجندا والترويج الداخلي الذي يحفظ له هيبته أمام الشعب الإيراني.
وبالتأكيد فإن نجاح العملية مرتبط بحجم الخسائر الأمريكية بالتحديد، وما دامت الولايات المتحدة الأمريكية لم تعلن عن خسائر في الأرواح، بالتزامن مع حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن «الأمور طيبة وكل شيء بخير» فإن ذلك يعبر عن فشل هذه الهجمة الصاروخية التي جاءت فقط كنوع من الدعاية وحفظ ما تبقي من ماء وجه للنظام الإيراني الحالي، وأن المرحلة المقبلة ستكون محادثات بوساطات دولية من أجل الخروج باتفاق جديد بين واشنطن وطهران.
شيماء مرسي | باحثة في وحدة الرصد والترجمة بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”، متخصصة في الشؤون الإيرانية
يمكن القول إن الاحتجاجات التي عمت إيران، تسببت في خسائر للنظام الإيراني، فضلًا عن الخسارة الشعبية والجماهيرية، فضلًا عن خسائر التخريب الذي حدث وخسارة النظام لقائد كقاسم سليماني من أهم دوافع الإقدام على الضربة الصاروخية على قاعدتي عين الأسد وأربيل، معتقدا أنه يمكنه تحقيق ميزة نسبية وهو تعزيز تموضعه الداخلي وجعل الرأي العام ينسى مشاكله الداخلية المتراكمة.
أظن أن النظام لن يهمل تأجيج المشاعر الدينية للمواطنين في الوقت الحالي، لهذا سيركز على إثارة المشاعر الشعبية إزاء ما يحدث، وهذا ما نلمسه في خطابات المسؤولين وشعارات التهديد التي لم تتوقف من جانبهم.
لكن ما هو أهم من ذلك رصدنا حالة من الرفض الداخلي لفكرة التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن فرصة النظام الوحيدة هي تقوية أركانه داخليًا بحيث لو واجه رفضًا أو هجومًا من المجتمع الدولي يعزز من نفسه باستخدام الجماهير المؤيدة له، لكنه لن ينجح في ظل الأزمات والفساد الذي يعانيه المجتمع.