تهتم وسائل الإعلام ومراكز الفكر الإيرانية بتحليل مسألة تشكيل “الناتو العربي” التي جرى الحديث عنها في الأسابيع الأخيرة بعد أن طرح الفكرة وأعاد طرحها عدد من الساسة العرب، مستهدفين مواجهة التحديات الإقليمية على الأمن القومي العربي، وخاصة من الجانبين التركي والإيراني.
من بين الخبراء والكتاب الذين تطرقوا لتحليل تلك الفكرة، خبير الشؤون السياسية والدولية، مهدي مطهرنيا، في حوار صحفي أدلى به لصحيفة “افتاب يزد” الإصلاحية تحت عنوان: “ناتوی عربی؛ آرزوی جمال عبدالناصر یا ایدهی اوباما؟!”، أو “الناتو العربي هل حلم جمال عبد الناصر أم فكرة أوباما؟!”.
جاء فيه ما يلي…
الناتو ما بين الماضي والحاضر
إن جوهر معاهدة الناتو هو المادة 5، وفيها اتفقت الدول الأعضاء على أن أي هجوم عسكري على إحدى دول الحلف في أوروبا أو أمريكا الشمالية، هو بمثابة هجوم على جميع أعضاء الحلف ويستدعيهم للمواجهة، لكن وبالنظر إلى أسلوب المواجهة بين الغرب وبين الشرق في خلال سنوات الحرب الباردة، برز الدور الأمريكي بداية من مقترح المصالحة الذي قدمه الأمريكيون إلى سلطات الحقبة السوفيتية في شهر فبراير من العام 1990م.
وذلك عندما عرض وزير الخارجية الأمريكية سابقًا “جيمس بيكر” على قادة السوفييت رغبة أمريكا في مساندة موسكو إزاء قضية “دمج جزئي ألمانيا”، مع منحها ضمانات مؤكدة حول عزوف حلف الناتو عن التوسع شبرًا واحدًا ناحية الشرق.
وبالفعل بعد أسبوع وافق رئيس الاتحاد السوفييتي السابق “ميخائيل جورباتشوف” على بدء مفاوضات إعادة توحيد ألمانيا.
لكن منذ عام 1999 إلى 2004، وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق انضمت 10 دول من الكتلة الشرقية ــ بمراوغات من الدول الغربية ــ إلى عضوية الناتو، ليزداد عدد الأعضاء إلى 26 دولة.
كذلك بُذلت مساعي لتوسيع الناتو إلى منطقة البلطيق بالإضافة إلى تقدم حدوده نحو الحدود الروسية عام 2008، في غضون ذلك اتُفق على بدء مفاوضات عضوية الدول الثلاث “ألبانيا ــ كرواتيا ــ مقدونيا” إلى الحلف، في حين حصلت جمهورية الجبل الأسود العضو الـ29 على عضوية الناتو عام 2017.
وقد تمكنت كرواتيا من الانضمام إلى الحلف عام 2009، إلا أن الاتحاد الأوروبي استغرق 17 عاما ليبدأ مفاوضات انضمام ألبانيا ومقدونيا الشمالية إلى الناتو في يوم 19 يوليو من العام الجاري 2022.
التحول من أداة عسكرية لأداة إمبريالية
الملاحظ هنا أن الناتو وحتى نهاية الحرب الباردة لم يشارك قط في أي قتال مباشر، إذ انحصرت تحركاته على العمليات السرية في الدول الأعضاء والدول المعادية، وفي وقت لاحق كُشفت بعض من عملياته السرية كالتخريب والاغتيال في الدول الأعضاء.
بعدها ــ أي بانتهاء الحرب الباردة ــ تحول الناتو لأداة إمبريالية لأمريكا وحلفائها تحت غطاء “التدخل الإنساني”، وشوهد له أول تدخل علني في البوسنة والهرسك عام 1995 ثم يوغوسلافيا وصربيا.
وقد جاء الناتو بشعار “التخلص من الإبادة الجماعية”، لكنه سرعان ما أصبح مرتكبا لإبادات جماعية مروعة، ففي عام 2000 أدانت منظمة العفو الدولية ــ على الرغم من كونها إحدى وسائل الدعاية الغربية ــ الحلف بارتكاب إبادة جماعية في يوغوسلافيا.
إضافة إلى حملته على العراق تحت ذريعة امتلاك أسلحة دمار شامل، وتدخله في ليبيا ودفعه نحو الفوضى تحت مسمى المساعدات الإنسانية، وهذا في حقيقته جانب واحد من جرائم الناتو الخاضع لقيادة البيت الأبيض.
أما أمريكا فاتخذت من أفغانستان مكانًا مستقرًا تستطيع من خلاله مراقبة القوى العظمى الأربع الشرقية أي (روسيا والصين والهند وإيران) بحيث تحفظ هيمنتها العالمية من تهديد تلك الدول. ولهذا وبذريعة هجمات 11 سبتمبر المشكوك فيها، غزت أفغانستان تحت ذريعة محاربة الإرهاب، فضلا عن استغلالها في بسط نفوذها والتأثير على المناطق المجاورة ولاسيما إيران.
الناتو العربي هل لعب بالكلمات أم واقع محتمل؟!
الناتو العربي في حقيقته جَهد بدأ في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وفي العصر الحديث انعكس في توجهات أوباما الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية، وفي خلال رئاسته عُنيّ بمتابعة الدول العربية، إضافة إلى متابعته قضايا الشرق الأوسط وبخاصة ما يجري في طهران.
بدا ذلك واضحًا في رسالته إلى المرشد الإيراني علي خامنئي في خلال فترته المنقضية، ونيته في إعادة المسألة الإيرانية للساحة الدولية ــ والتي كانت عمليًا مقتصرة على ملف إيران النووي ــ عبر خطة العمل الشاملة المشتركة أو برنامج التحكم في الملف النووي الإيراني.
لكنه الآن وبعد تعرض الاتفاق النووي لتحدياتٍ وعراقيل جوهرية لم يعد سوى جسد شبه ميت، وعلى المنوال نفسه، شهدنا تحول السلام الإبراهيمي ــ الذي عدّ مفتاح القبول للدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل منذ عام 2001 ــ إلى نهج عقائدي لأمريكا، إلى جانب الجهود الواسعة لصهر دونالد ترامب “جاريد كوشنر” في توسيع علاقات تل أبيب مع عواصم البلدان العربية.
خاتمة
جملة ما يمكن ملاحظته في التحليل أعلاه، أن حلف شمال الأطلسي “الناتو” الذي أنهى مهمته بعد الحرب الباردة في تسعينيات القرن الماضي، لا يزال حيًا برغم انحلال منافسه الذي تمثل في “حلف وارسو”، وانهيار الجدار العالي بين ألمانيا الشرقية والغربية؛ لأنه تحول من حلف عسكري إلى حلف سياسي يحمي مصالحه الاقتصادية ويحقق أهدافه الجيوستراتيجية.
ولعل تأسيس “ناتو عربي” على غرار “الناتو الغربي” يواجه تحديات جسام، لسبب بسيط وهو أن الدول العربية لم تتمكن من تشكيل مثل هذا الحلف في زمن عبد الناصر الذي دانت له أغلب الحكومات والشعوب العربية، وبالتالي فإن تشكيل الحلف في الظروف الراهنة هو أمر بعيد المنال.