بزر اسم مسعود بزشكيان، الطبيب الجراح الإيراني الشهير ووزير الصحة في حكومة خاتمي الثانية والآذري صديق الأقليات والإصلاحي المنفتح، كأحد أبرز المرشحين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الرابعة عشرة، والتي جاءت بعد وفاة الرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي ووفده المرافق له إلى أذربيجان الشرقية، وهي المنطقة القريبة من نظيرتها الغربية مسقط رأس بزشكيان.
ومع بدء التصويت في الانتخابات، وقبله انسحاب المرشحان حسين زادة أمير هاشمي وعلي رضا زاكاني المحسوبان على التيار المحافظ لدعم مرشح واحد فقط من التيار الذي يمثله ثلاثة مرشحين آخرين هم سعيد جليلي ممثل المرشد في المجلس الأعلى للأمن القومي ومحمد باقر قاليباف رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني “البرلمان” ومصطفى بور محمدي، رجل الدين البارز وأحد أعضاء “لجنة الموت” التي شملت رئيسي في ثمانينيات القرن الماضي، وهو ما يضع بزشكيان في طرف المواجهة مع ثلاثة مرشحين من تيار واحد.
فرصة للقوميات غير الفارسية
وإزاء ترشح الإصلاحي بزشكيان في الانتخابات الإيرانية، وهو الآذري “التركي” الذي انحدر من مدينة مهاباد بمحافظة أذربيجان الغربية، وواصل تعليمه في مدينة أورومية، كما حالفه الحظ بأداء الخدمة العسكرية في محافظة سيستان وبلوشستان في سبعينيات القرن الماضي، وهو ما جعله يقترب كثيرًا من ثقافات القوميات غير الفارسية ومعرفة الكثير عن احتياجاتهم ومطالبهم، وهو ما وضعه في موقف المدافع عن تلك القوميات أو الأقليات في أحيان كثيرة.
يعزز تلك الفرضية ما ذكره بزشكيان عن نفسه في إحدى جلسات مجلس الشورى الإسلامي عام 2016 حين قال”: “أشكر الله دائمًا أن جعلني آذريًا تركيًا، وأرفض أن يسخر أحد من لغة الأتراك وثقافتهم، كما يسمح دستور بلادنا في مادته الخامسة عشرة للأتراك وغيرهم من الأعراق الأخرى بالكتابة بلغتهم في المدارس”.
وهو ما دفع بعض المتابعين لأن يصنفوا خطاب بزشكيان تجاه القوميات على وجهين، الأول: أنه يغازل القوميات والأقليات للحصول على أصواتهم ولضمان مشاركتهم بفاعلية في الانتخابات لصالحه، والثاني: أنه بالفعل يرغب في تعديل أحوالهم كونه من أحد تلك القوميات غير الفارسية، لكن في النهاية يمكن القول إن الرأيين يصبان في صالح بزشكيان.
فرصة للإصلاحيين
لاشك أن انتخاب بزشكيان يعد فرصة سانحة لأنصار التيار الإصلاحي في إيران، إذ سيخفف وجوده من حدة العداء الرسمي لرموز الإصلاحيين، خاصة الذين وضعهم المرشد بناء على توصيات المحافظين قيد الإقامة الجبرية وعلى رأسهم الرئيس الإصلاحي الأسبق البارز محمد خاتمي وزعيم تيار الحركة الخضراء، مير حسين موسوي، وهو ما جعل وزير الخارجية الإيراني السابق المحسوب على التيار الإصلاحي محمد جواد ظريف يعلن دعمه العلني لبزشكيان في الانتخابات الرئاسية.
يرغب الإصلاحيون من خلال دعمهم لبزشكيان في إعادة الزخم الفكري والسياسي لفترة الرئيس الإيراني الأسبق خاتمي، وهو ما دفع عدد كبير من الإصلاحيين للإعلان عن دعمهم لبزشكيان وعلى رأسهم إسحاق جهانجيري ووضع خاتمي كل إمكانيات التيار الإصلاحي تحت تصرف بزشكيان.
ولعل ذلك ما جعل التيار الإصلاحي متكاتفًا على غير العادة وراء مرشح واحد في محاولة لإعادة زخم وقوة الإصلاحيين ونورهم الذي أفل بعد وفاة هاشمي رفسنجاني عام 2017، ونجاح المتشدد محمود أحمدي نجاد في الوصول للسلطة عام 2005، وتقييد عمل روحاني خلال فترات وجوده كرئيس لإيران، علاوة على التضييق على رموز التيار الإصلاحي لاحقًا، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية، ومنعهم من الظهور الإعلامي.
فرصة للنظام
ولقد تزامن سباق الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية مع تطورات مفاجئة في إيران إثر مصرع إبراهيم رئيسي في 19 مايو الماضي، وهو ما عجل بانتخابات رئاسية إيرانية جديدة، تضع في اعتباراتها الضيف الجديد في البيت الأبيض، مع عودة صعود نجم المرشح الجمهوري البارز دونالد ترامب، والذي يتوعد إيران بالكثير من الضغوط التي بدأها منذ انسحابه من الاتفاق النووي في مايو من عام 2018.
ولذلك فإن فوز بازشكيان المحتمل – في ظل استطلاعات رأي نشرها مركز أبحاث مجلس الشورى الإسلامي مفادها أنه حصل حتى الآن على 23.5% من الأصوات – يجعل من صعوده فرصة كبيرة للنظام للتواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية وإرسال رسائل إيجابية من شأنها أن تخفف من حدة العقوبات المفروضة على طهران والعودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي.
هذا بالتأكيد مع إعلان بزشكيان اختياره لجواد ظريف مستشارًا له للشؤون الخارجية حال فوزه في الانتخابات، استنادًا إلى قدرات ظريف السياسية والتفاوضية مع الغرب كونه يجيد الإنجليزية، بالإضافة إلى كونه أحد مهندسي الاتفاق النووي عام 2015 خلال توليه منصب وزير الخارجية في حكومة روحاني بين 2013 و2021.
خاتمة
في المجمل يمكن القول إن صعود بزشكيان – الطبيب وجراح القلب – لسدة الحكم في إيران يمثل فرصة لكل الأطياف السياسية، عدا المحافظين، الذين سيرون فيه نموذجًا شبيهًا بنموذج خاتمي الذي هوجم خلال فترتيه الرئاسيتين ووصفه المحافظون بأنه ورفاقه في خنادق النفاق، بعد أن لجأوا إلى تبني مبادرة فكرية لكسر الجمود في علاقات إيران مع العالم العربي والغربي.
لكن التعويل على بزشكيان من جانب الإصلاحيين والظن بأنه سيدير فترته الرئاسية وبرنامجه الانتخابي بمشرط جراح، وسيمكن الإصلاحيين من تنفيذ أجندتهم الفكرية المتمثلة في إعادتهم للمشهد السياسي مرة أخرى والتقاط الأنفاس من خلال التفاوض على تحقيق انفراجة اقتصادية من خلال التفاوض مع فارضي العقوبات على بلادهم.
ويمكن أن نعتبر أن بزشكيان فرصة مهمة للنظام، خاصة وأن بزشكيان نفسه ليس عدوًا للنظام الإيراني، وقد بدأ دعمه للنظام من خلال مشاركته في الحرب العراقية ــ الإيرانية في بداية ثمانينيات القرن الماضي كمقاتل عسكري وكطبيب معالج للمصابين في تلك الحرب، ونشط كثيرًا في جبهات القتال وكان مسؤلًا في تلك الحرب عن إرسال الفرق الطبية إلى الجبهات لعلاج المصابين، وبالتالي فكونه طبيبًا وليس رجل دين، وإصلاحيًا وليس محافظًا لا يجعله في مواجهة مع بيت المرشد أو مؤسسة القيادة، بقدر ما يجعله منقذًا للنظام من أزمات موجودة بالفعل وأخرى تلوح في الأفق.