يقوم ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، بزيارة رسمية لدولة اليونان، ويهدف بن سلمان من هذه الزيارة إلى خلق موازنة في العلاقات بين أنقرة وبين أثينا، كما يستهدف زيادة الاستثمارات لبلاده في تلك الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي.
تتم زيارة بن سلمان إلى اليونان بعد فترة وجيزة من قمة جدة العربية ــ الأمريكية للأمن والتنمية، ومن منطلق أن الرياض قامت بتحسين علاقاتها مع أنقرة مؤخرًا، كما أعرب مسؤولو البلدين عن رغبتيهما في تطوير العلاقات، يثور سؤال: ما هدف بن سلمان من زيارة أثينا على الرغم من توتر العلاقات بينها وبين أنقرة؟
للإجابة عن هذا السؤال يجب القول إن محمد بن سلمان يتبع أهداف سياسية، واقتصادية، وعسكرية متعددة من خلال زيارته إلى اليونان، وهي كالتالي.
توازن العلاقات بين أنقرة وبين أثينا
الهدف الأول لابن سلمان من زيارته إلى اليونان خلق توازن في العلاقات بين أنقرة وبين أثينا، إن التوتر والخلاف بين تركيا وبين اليونان له تاريخ طويل للغاية، وتشير الدلائل إلى أن هناك أسبابا وحوافز عدة لاستمرار هذه الخلافات. فمنذ قديم الأزل هناك خلافات سياسية وتاريخية بين اليونان وتركيا، ولدى كلا البلدين اختلاف في وجهات النظر حول قضايا حدودية، وملكية بضع جزر، ووضع أتراك أنطاكيا، بالإضافة إلى عدة محاور وملفات أخرى.
علاوة على ذلك، رحبت اليونان خلال البضعة عقود الأخيرة بقادة حزب العمال الكردستاني (ب. ك. ك)[1]، وبالجماعتين الشيوعيتين المسلحتين ضد تركيا عدة مرات، وفي أثناء الانقلاب الذي لم يحالفه النجاح في يوليو عام ٢٠١٦م، قامت اليونان بتهريب عدة ضباط في الجيش التركي بمروحية عسكرية إلى اليونان، ولم تستجب إلى طلب حكومة رجب طيب أردوغان المتكرر لإعادة هؤلاء الضباط.
في خلال العامين الماضيين كانت هناك توترات شديدة لليونان وقبرص – العضوتان في الاتحاد الأوروبي – مع تركيا حول السفن الاستكشافية التركية في البحر المتوسط بالقرب من سواحل قبرص.
وتؤكد تركيا على الدوام على حقها في مجال الاستكشاف واستخراج البترول والغاز من البحر المتوسط ومن المياه التي تعتبرها خاصة بها. وفي عام ٢٠٢١م اشتدت التوترات بين عضوي الاتحاد الأوروبي وبين تركيا إلى حد ما، إذ تم التباحث خلال قمة القادة الأوروبيين في شهر أكتوبر بشأن وضع عقوبات اقتصادية حادة على تركيا، وحذر مجلس الاتحاد الأوروبي أنقرة في النهاية من أنه في حال استمرار العمليات الاستكشافية وزيادة التوترات مع قبرص واليونان، سيتم تنفيذ العقوبات.
تعزيز العلاقات السعودية اليونانية
على كل حال في ظل التوترات السياسية بين تركيا وبين اليونان، أقدمت المملكة العربية السعودية سريعًا على تعزيز علاقاتها مع أثينا في مجال التطوير والتحالف الإستراتيجي حتى تشكل ائتلافًا جديدًا مع دولة أوروبية، وكذلك بهدف الحصول على مكانة في تلك المنطقة.
ولقد كانت العلاقات بين السعودية وتركيا متوترة في السنوات الماضية، ومن ثم سعت المملكة العربية السعودية إلى توسيع العلاقات السياسية والعسكرية مع اليونان؛ حتى تضع تركيا تحت ضغط، وبالانضمام إلى الائتلاف اليوناني، تعزز ميزان القوى لصالح أثينا.
على غرار هذه الأمور تطورت سياسة العلاقات بين البلدين في أبعاد عديدة. على سبيل المثال: في مارس ٢٠٢١م شاركت مجموعة من القوات الجوية للمملكة السعودية بست طائرات مقاتلة من نوع “إف ١٥ سي” في المناورة العسكرية المعروفة بـ”عين العقاب” التي انعقدت في اليونان.
كذلك في أواخر عام ٢٠٢١م عندما أخرجت أمريكا نظام دفاعها الصاروخي باتريوت من السعودية، أرسلت اليونان فريقًا من قواتها المسلحة لتسليم المتفجرات المستخدمة في نظام الدفاع باتريوت إلى السعودية.
وقتها قال رئيس الأركان العامة للجيش اليوناني كونستانتينوس فلوروس في مراسم وداع الفريق الموفد إلى السعودية “إن للتعاون بين اليونان وبين السعودية دور مؤثر في إقرار الأمن والاستقرار في شرق البحر المتوسط وغرب آسيا”.
رسالة طمأنة إلى اليونان
من هنا يمكن قول إن زيارة ولي العهد السعودي إلى اليونان لها أهمية خاصة، مع أخذ العلاقات بين السعودية وبين تركيا التي تحسنت مؤخرًا بعد زيارة بن سلمان إلى أنقرة، وزيارة رجب طيب أردوغان إلى السعودية في عين الاعتبار.
يمكن قول إن زيارة بن سلمان بالتزامن مع التوتر بين أثينا وبين أنقرة تعد محاولة من جانبه لإرسال رسالة باعثة على الاطمئنان إلى اليونان مفادها أن الرياض لن تتخذ قرارًا بتقليل مستوى العلاقات مع أثينا بعد تطبيع العلاقات مع تركيا، وهنا يسعى بن سلمان نحو خلق توازن في العلاقات بين أنقرة وبين أثينا.
وفي الحقيقة على الرغم من سعيه لتحسين العلاقات مع تركيا؛ إلا أنه يسعى كذلك إلى الحفاظ على العلاقات مع اليونان وتعزيزها كما فعل مع تركيا خلال الأزمة؛ لكي يستفيد منها كورقة للضغط على أنقرة وقت اللزوم.
خاتمة
على الرغم من أن زيارة بايدن إلى المملكة العربية السعودية لم ينتج عنها أي إنجاز لتحسين وضع الرئيس الأمريكي، لكنها تعد انتصارًا مهمًا للغاية لابن سلمان، ومن المحتمل أن يزور بن سلمان دولا أوروبية أخرى بعد اليونان خلال فترة وجيزة.
إن زيارة بن سلمان إلى اليونان؛ تلك الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، لن تنل إعجاب الساسة الأتراك. وعلى الرغم من أن الرياض أوضحت أن تطبيع العلاقات مع أنقرة لا يعني وجود علاقات إستراتيجية، إلا أن رد الفعل الحاد الأخير والسريع لوزارة الخارجية السعودية وإدانتها لهجوم القوات العسكرية التركية على محافظة دهوك شمالي العراق نموذج بارز لهذا الأمر.
ــــــــــــــــــــــــــ
مادة مترجمة بعنوان: “هدف محمد بن سلمان از سفر به یونان چیست؟” أو “ما هدف محمد بن سلمان من زيارته إلى اليونان” نشرها موقع “راهبرد معاصر”، يوم الإثنين ۰۳ مرداد ۱۴۰۱ هـ. ش./ الموافق 25 يوليو 2022.