على الرغم من العداء الظاهر الذي تناصبه إيران لإسرائيل والتراشق الإعلامي بينهما وإبراز بعضهما البعض على أنهما أعداء، إلا أن العلاقات التاريخية بين الجمهورية الإيرانية وبين إسرائيل أشارت إلى عكس ذلك، حيث نشأ تعاون عسكري واقتصادي بينهما منذ قيام الجمهورية الإسلامية على أنقاض الإمبراطوية الشاهنشاهية التي انتهت بسقوط الشاه محمد رضا بهلوي، ومنذ ذلك الوقت والعلاقات بين الجانبين قائمة على العداء الظاهري والتعاون الخفى، وقد كشف الرئيس محمود أحمدي نجاد الذي تولى رئاسة الجمهورية الإيرانية في دورتين متتاليتين (2005 ــ 2013) وحظى خلالهما بتأييد المرشد الأعلى للثورة، أن مسؤول مكافحة التجسس الإسرائيلي في جهاز الاستخبارات الإيراني هو نفسه عميل لإسرائيل.
فبعد سقوط الشاه في إيران عام 1979 شهدت العلاقات الإيرانية ــ العراقية توترًا كبيرًا منذ اليوم الأول الذي وصل فيه الخميني لإيران إذ ناصب العراق العداء نتيجة قيام الأخير بطرد الخميني من العراق وفقًا لاتفاقية الجزائر التي وقعت بين إيران وبين العراق عام 1975 والتي نص أحد بنودها على عدم إيواء أي من الطرفين معارضي الطرف الآخر.
وعلى الرغم من تأييد العراق للثورة الإيرانية إلا أن الخميني ناصبه العداء، ووجد العراق في الثورة الإيرانية ما يهدد أمنه وأمن الدول العربية، وأن نظام الخميني لا يختلف كثيرًا عن نظام الشاه في الهيمنة والتوسع، ولذا منح العراق إيران مهلة لتسليم الأراضي التي تم الاتفاق عليها طبقًا لاتفاقية الجزائر علاوة على إعادة الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة منذ عام 1971م، ولكن الخميني رفض المهلة العراقية وامتنع عن إعادة الأراضي المتفق عليها، وبدأ يتدخل في الشؤون الداخلية للعراق.([1])
وشهدت الحدود بين البلدين عدة تجاوزات من الجانب الإيراني خلال الفترة من الثالث والعشرين من فبراير 1979م وحتى السادس والعشرين من مايو 1980م بلغت جملة التجاوزات أربعة وخمسين اختراق للطائرات الإيرانية للأجواء العراقية، فضلًا عن خمسة عشر اعتداءً على مخافر الحدود العراقية، واثنتا عشر اعتداءً على البحرية العراقية([2])، وبعد الحظر الاقتصادي والعسكري الذي فرضته الولايات المتحدة على إيران على خلفية أزمة الرهائن فقد توجه أحمد كاشاني الإبن الأصغر لآيه الله أبو القاسم الكاشاني في مستهل 1980م بزيارة لإسرائيل للتنسيق فيما بينهما حول مبيعات أسلحة إسرائيلية لإيران، علاوة على ترسيخ سبل التعاون العسكري بينهما ضد البرنامج النووي العراقي([3]).
وأطلق المسؤولون الإيرانيون تصريحات معادية للعراق حيث أشار وزير الخارجية العراقي في رسالة لسكرتير عام منظمة الوحدة الإفريقية في السادس عشر من مايو 1980م إلى أن رئيس الجمهورية الإيرانية أبو الحسن بني صدر (1980-1981م) صرح لمجلة النهار بتاريخ الرابع والعشرين من مارس 1980م بأن إيران لن تعيد الجزر الثلاث، وأن أبو ظبي، وقطر، وعمان، ودبي، والكويت، والسعودية هي أراضي إيرانية، فضلًا عن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني صادق قطب زادة في الثامن من أبريل 1980م بأن كافة دول الخليج تابعة لإيران، وفي اليوم التالي صرح بأن حكومته قررت الإطاحة بنظيرتها العراقية([4])، علاوة على تصريح روحاني المرجع الديني الشيعي في الثامن عشر من أبريل 1980م أن البرلمان الذي تخلى عن البحرين عام 1970م ومنحها الاستقلال غير شرعي، وأنه إذا استمر العراق في المطالبة بالجزر الثلاث فإن إيران ستطالب بالبحرين أيضًا، وفي اليوم التالي حث الخميني الشعب والجيش العراقيين على الانقلاب على الحكومة العراقية غير الإسلامية(([5].
في الثامن والعشرين من يوليو 1980م قصفت المدفعية الإيرانية مخفر الشيب الحدودي، وتوالت التصريحات الإيرانية بأن الجيش الإيراني إذا تمكن من دخول العراق فلن يخرج منها إلا بسقوط الحكومة، وفي أغسطس وصلت الاعتداءات الإيرانية على العراق لمرحلة لا يمكن السكوت عنها، وفي الرابع من سبتمبر دارت معارك جوية عنيفة بين الطرفين اندلعت الحرب على إثرها.([6])
ولأن العراق من الدول العربية الرافضة للتفاوض مع إسرائيل، علاوة على كونه داعمًا قويًا للقضية الفلسطينية، فقد وجدت إسرائيل في الحرب فرصة لإضعاف العراق وإشغاله بعيدًا عن المفاوضات المصرية معها واتفاقية كامب ديفيد وإضعاف لقوة العراق العسكرية وخروجها من أي مواجهة عربية إسرائيلية محتملة([7])
وعبر رئيس أركان إسرائيل رفائيل ايتان عن ارتياح بلاده للحرب لأن كلٌ منهما سيدمر الآخر، وستمنع العراق من أن يكون له دورًا استراتيجيًا لمصر والأردن وسوريا في أي مواجهة مقبله إسرائيل، والحد من تأثير الثورة الإيرانية التي رفعت شعار تحرير القدس([8])، وعقد وزير خارجية إسرائيل موشي دايان مؤتمرًا صحفيًا حث فيه الولايات المحتدة على نسيان الماضي ودعم إيران في حربها ضد العراق([9])، وكانت إسرائيل تتابع عن كثب تلك الحرب ففي الثاني والعشرين من سبتمبر 1980م أعلن التليفزيون الإسرائيلي أن السفير الأمريكي في الأردن أبلغ الحكومة الإسرائيلية بناءً على طلب أردني بأن الطائرات الحربية العسكرية العراقية التي هبطت في مطار عسكري أردني خارج الخدمة لا يشكل أي تهديد على إسرائيل وأن وجودها هناك حماية لها من الهجمات الإيرانية([10]).
وكان أول من نادى بمساعدة إيران عسكريًا هو لوبراني الذي حث إسرائيل على التعامل مع الثورة على أنها ظاهرة عابرة، وأن إسرائيل ستجني من وراء هذه المساعدة حرية اليهود هناك، علاوة على إعادة العلاقات مع القوات المسلحة الإيرانية القادرة على قلب النظام والتي من المحتمل أن تخلف نظام الخميني، وأيده في هذه السياق ديفيد كيمحي الذي رأى أنه إذا تمكنت إسرائيل بطريقة ما من الحفاظ على العلاقات مع الجيش الإيراني فيمكن أن يؤدي هذا لتحسين العلاقات بينهما([11])، وبعد اجتماع الكنيست الإسرائيلي في الثامن والعشرين من سبتمبر 1980م الذي حضره رئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيغين لمناقشة الحرب العراقية الإيرانية، أشار يوسف روم عضو الكنيست خلال الجلسة بأن مصلحة إسرائيل تقتضي إضعاف الخطر الذي يهدد إسرائيل، وأن الحرب هي خير فرصة للقضاء على الخطر، وأصدر الكنيست بيانًا عبر فيه عن ارتياحه للحرب وتمنى استمرارها لأنها تضعف قوة العراق العسكرية([12]).
وأشار بيغين خلال اجتماع الكنيست إلى أن الصراع العربي الإسرائيلي لم يعد السبب الوحيد لعدم استقرار الشرق الأوسط، واقترح موردخاي زيبوري نائب وزير الدفاع الإسرائيلي أن إسرائيل من الممكن أن تقدم المساعدة لطهران إذا ما وافقت الأخيرة على عودة العلاقات بينهما، إلا أن بيغين لم يؤيد تلك الفكرة بينما علق شارون بأن الوقت قد فات لتنفيذ لمثل هذه الفكرة، وأشار تقرير للمخابرات الإسرائيلية العسكرية حول المفاعل النووي العراقي إلى أن القوات الإيرانية لم تتمكن من إصابته بعد ولكن إذا أتيحت لهم الفرصة فإنهم سيفعلون ذلك.([13])
في الثالث من أكتوبر1980م حثت صحيفة علهمشار الإسرائيلية إسرائيل على التحرك لدعم إيران لموصلة الحرب ضد العراق، والحرص على ألا يخرج العراق منتصرًا منها لكونه من أشد الدول العربية المعارضة لاتفاقية كامب ديفيد([14]).
من الواضح أن الإسرائيليين استغلوا هذه الحرب للترويج بأن الصراع العربي الإسرائيلي ليس هو المشكلة الوحيدة التي تؤرق استقرار الشرق الوسط، بل أن هناك صراعًا آخر بين قوتين إسلاميتين في الشرق الأوسط، فضلًا عن أن الحرب العراقية الإيرانية أثبتت أن المعاهدات التي وقع عليها العرب مع إيران لا قيمة لها، وأثبتت الحرب أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المستقرة في المنطقة التي يمكن للغرب الاعتماد عليها، وأن إسرائيل تشعر بارتياح تجاه الحرب لما فيها من إنهاك لقوة العراق التي تشكل مصدر تهديد له، وأنه لو تم السلام بين طرفي الحرب فإن العراق سيكون في حاجة لعدة سنوات لإعادة توازنه.
وأدركت إسرائيل أن إيران أهون شراً من العراق، على الرغم من أن الخطاب الثوري الإيراني كان معاديًا لإسرائيل مثل خطابات صدام حسين، إلا أن الجيش العراقي قبل عام 1980م كان أقوى بكثير من القوات المسلحة الإيرانية، وتوقع معظم الخبراء الاستراتيجيين في جميع أنحاء العالم أن العراق سيحقق نصرًا سريعًا وحاسمًا لأنه كان يمتلك أسلحة أفضل وإيران كانت لا تزال في طور الفوضى الثورية، فضلًا عن دعم الأردن وسوريا ومصر للجيش العراقي، بينما كان لإيران عدد قليل جدًا من الحلفاء، كما أن العراق أيضًا أقرب جغرافيًا إلى إسرائيل مما يعني أنه من المحتمل أنه يشكل تهديدًا عسكريًا لها، ولذا اتخذت إسرائيل نهجًا واقعيًا وقررت أن أفضل نتيجة ممكنة لإسرائيل هي إضعاف إيران والعراق عسكريًا واقتصاديًا في حرب طويلة الأمد.
وأشارت التصريحات الرسمية وغير الرسمية إلى رغبة إسرائيل في مساعدة إيران في الحرب شريطة التخلي عن سياستها العدوانية تجاهها، حيث أكد قائد المنطقة الجنوبية لإسرائيل دان شمرون بأن الحرب في صالح إسرائيل نظرًا لأنها ستدفع العراق بتوجيه كل قوته نحو الحدود الإيرانية، وأنه بغض النظر عن النظام الحاكم في إيران إلا أنه يجب مساعدته، وأكد ديفيد كيمحي المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية أن مصلحة إسرائيل تكمن في أن يكون الجيش الإيراني قويًا للقضاء على العراق عدوهما المشترك، وأن الخميني إذا تمكن من تصدير ثورته وزرع الاضطراب في الدول العربية فإن ذلك بالتأكيد سيخدم إسرائيل([15])، ووفقًا لتصريح أمنون شاهاك لصحيفة اللوموند الفرنسية حول الحرب بين الطرفين أشار بأن انتصار العراق على إيران في هذه الحرب يعد كابوسًا بالنسبة لإسرائيل، ولذا سعت إسرائيل لتكوين شبكة اتصالات سرية لدعم إيران بالسلاح للوقوف في وجه العراق وليس للانتصار عليه([16]).
ولما كانت إسرائيل تعلم بحاجة إيران للدعم العسكري فقد أبلغها بإمكانية دعمها عسكريًا وتحسين العلاقات بينها وبين الحكومة الأمريكية، ولذا رحبت إيران بالعرض الإسرائيلي ومن ثم عادت العلاقات الدبلوماسية السرية بينهما مرة أخرى عبر وسطاء صهاينة من إيران على علاقة مقربة من الجانبين ولما أبلغ أحمد الخميني أباه بذلك لم يبد أي اعتراض([17])،وعليه اجتمع موردخاي زيبوري مساعد وزير الدفاع الإسرائيلي مع عددًا من المسؤولين الإيرانيين في باريس، وجرى الاتفاق بينهما على إمداد إيران بالأسلحة اللازمة مقابل تعهد الحكومة الإيرانية بعدم المساس باليهود هناك وتسهيل خروجهم إذا ما رغبوا في ذلك([18])، ولما أبلغت إسرائيل الولايات المتحدة في أواخر سبتمبر 1980م بتفاصيل الاحتياجات العسكرية الإيرانية طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل التريث لحين الوصول لحل بخصوص أزمة الرهائن الأمريكيين المحتجزين في إيران([19]).
وفي الخامس من أكتوبر أنشأت الحكومة الإيرانية شركة انتربارتس Interparts بهدف شراء العتاد الحربي للجيش الإيراني من الأسواق العالمية، علاوة على إنشاء شركة أخرى في أثينا أدارها تاجر سلاح لبناني يدعى أحمد حيدي خولته وزارة الدفاع الإيرانية شراء المعدات العسكرية نيابة عنها، وتكونت شبكة معقدة للغاية لتحويل الأموال الإيرانية من فرع البنك المركزي الإيراني في باريس بنك ملتي إيران إلى بنك البحر الأبيض المتوسط في باريس أيضًا، وتولي القائم بالأعمال الإيراني في مدريد محمد باهنام مهمة توثيق ما يتم شرائه من أسلحة صهيونية وغيرها وإصدار شهادات مزورة لها.([20])
على هذا الأساس قام إسرائيل في أكتوبر 1980م بشحن حوالي مائتي وخمسين قطعة غيار لطائرات إف4 F4 بقيمة حوالي نصف مليار دولار([21])، ومع ذلك نفى المتحدث العسكري باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية في السادس والعشرين من أكتوبر قيام إسرائيل بتزويد إيران بأي أسلحة أمريكية الصنع([22]).
ومع اشتداد أتون الحرب وإحراز العراق تقدمًا ملموسًا على الأرض وجدت إيران أنها بحاجة ماسة لمزيد من السلاح وعليه اجتمع مجلس الشورى الإيراني في السادس والعشرين من نوفمبر 1981م وأصدر قرارًا بشراء السلاح من إسرائيل بحوالي مائتي مليون دولار([23])، وقامت الشركة الإيرانية انتربارتس في ديسمبر 1980م بعقد صفقة أسلحة مع إسرائيل عبارة عن قاذفات صواريخ وكميات كبيرة من الذخيرة قدرت بنحو ثلاثة وسبعين مليون ونصف المليون دولار([24])،كان الشيخ صادق طبطبائي أحد حلقات الوصل بين إيران وإسرائيل نظرًا لعلاقاته القوية مع يوسف عاوز الذي يتمتع بعلاقة قوية بأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وفي ديسمبر 1980م قام طبطبائي بزيارة سرية لإسرائيل ولكن أمر هذه الزيارة لم يظل طي الكتمان، إذ كشف أمرها عندما ضبط طبطبائي في المطار بألمانيا بواسطة البوليس الألماني فقد وجد ختم دخوله لإسرائيل، فضلًا عن وجود ما يقرب من مائة كيلوجرام من مادة الهيروين([25])، وتلقت إسرائيل حوالي عشرين مليون دولار عن طريق الشركة الإيرانية في أثينا مقابل مد إيران بمدافع عديمة الارتداد عيار 106 ملم([26]).
كان اندلاع الحرب الإيرانية العراقية بمثابة الفرصة الذهبية بالنسبة لإسرائيل فبمجرد أن دارت الحرب بين الجانبين ظهر جيش إيراني ضعيف ومحبط وغير منظم ومنقسم الولاء، فضلًا عن أزمة الرهائن الأمريكيين والعداء الأمريكي لإيران، كان من الصعب على إيران الحصول على المعدات العسكرية الأمريكية التي كانت قواتها المسلحة في أمس الحاجة إليها، كانت هذه الأسباب تؤرق أحلام القادة الإسرائيليين قبل القادة الإيرانيين، وأن عدم حصول الإيرانيين على السلاح يعني هزيمتهم أمام العراق، وكان انهيار إيران خوفًا حقيقيًا لأنهم لازالوا يعتبرون العراق أكبر تحدٍ استراتيجي لهم، ولذا وجدت إسرائيل في حالة دعمها لإيران قوة قادرة ليس على صد صدام وتقويض طموحاته الإقليمية فحسب، بل يمكنها أيضًا تدمير قوته العسكرية الخطيرة، ومنعه من احتمال وصوله إلى القنابل الذرية ودعمه غير المشروط لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولذا تطلعت إسرائيل لمساعدة عدو له على عدو أكثر تهديدًا له.
ولما كانت إسرائيل تعمل جاهدًا للحيوله دون امتلاك العراق أي أسلحة نووية فقد استغلت فرصة انشغال الأخير بالحرب مع إيران وقامت في السابع من يونيو 1981م بقصف المفاعل النووي العراقي أوزيراك بواسطة ستة طائرات من نوع إف15 F15 وثمانية طائرات من نوع إف 16 F16 انطلقت من قاعدة عتصيون الإسرائيلية، ولم تتمكن الدفاعات الجوية العراقية من صد هذا الهجوم، وقد عرفت هذه العملية باسم أوبرا، وصرح بيغن بأن هذا الهجوم كان بهدف منع العراق من تطوير أي أسلحة نووية تهدد بقاءه.([27])
وأشارت صحيفة الصنداي اللندنية إلى أن إسرائيل استعانت بصور فوتوغرافية وخرائط إيرانية للمنشآت النووية العراقية، وأن أمر الهجوم على المفاعل تمت مناقشته قبل شهر من العملية بين إسرائيل ومندوبون عن الخميني في فرنسا، واطلع ممثلي إسرائيل على المحاولات الفاشلة التي قامت بها إيران في الثلاثين من سبتمبر 1980م لتدمير المفاعل، ووافقت إيران على هبوط الطائرات الإسرائيلية في مطار تبريز خلال رحلتها لتدمير المفاعل.([28])
ونشرت جريدة معاريف الإسرائيلية في الثامن والعشرين من نوفمبر 1986م تعليقًا صادرًا عن وزير الدفاع الإسرائيلي شارون بأن هناك عوامل أساسية في الحرب القائمة بين إيران والعراق لها تأثير مباشر على إسرائيل وتتعلق بأمنها القومي، ومنها المفاعل النووي العراقي الذي يشكل خطورة كبيرة على إسرائيل ولذا تم تدميره لضمان بقاء إسرائيل، وأن إسرائيل مهتمهً جدًا بما يدور في منطقة الخليج العربي([29]).
وكشف سقوط الطائرة الأرجنتينية التي كان يقودها طيار إسكتلندي الجنسية من طراز كنادير سي إل 44 بين الحدود القبرصية التركية على يد الدفاعات السوفيتية في الثامن عشر من يوليو 1981م خلال عودتها من طهران عن حجم التعاون العسكري بين إيران وإسرائيل، وأكد متحدث باسم الحكومة القبرصية أن الطائرة الأرجنتينية قامت برحلتين قبل سقوطها، الأولى في الحادي عشر من يوليو 1981م حيث هبطت في مطار لارنكا قادمة من تل أبيب بها خمسين حاوية وزنهم حوالي ستة آلاف وسبعمائة وخمسين كيلوجرام ثم اتجهت لطهران، وفي الثالث عشر من الشهر نفسه هبطت نفس الطائرة في المطار نفسه قادمة من تل أبيب ومتجهة لطهران.([30])
السمسار السويسري أندرياس جيني Andreas Geny أكد أن الطائرة كانت في رحلتها الثالثة من أصل أثنتا عشر رحلة بلغت حمولتهم جميعًا حوالي خمسمائة طن من الأسلحة وثلاثمائة ألف طن معدات طبية وغذاء لإيران، وكان الشحن يتم من مطار لارنكا في قبرص، واعترف أنه تلقى حوالي ستمائة ألف دولار لتنظيم حركة التجهيزات التي وضعتها شركة صهيونية للمقاولات مقرها في لندن، وبعد سقوط الطائرة وكشف أمرها فإنه يتعين على إسرائيل البحث عن سُبل أخرى لنقل السلاح لإيران([31]).
وعلى الرغم من كشف أمر الطائرة إلا أن راديو إسرائيل أعلن أن شحن الأسلحة إلى طهران سيستمر عن طريق السمسار الذي تلقى مبلغًا ماليًا مقابل ذلك، وأعلن رفسنجاني رئيس البرلمان الإيراني بأن الطائرة الأرجنتينية كانت تقوم بنقل الأسلحة لطهران ولكنها تحطمت خلال عودتها بعد أن أفرغت حمولتها([32])،أثار سقوط الطائرة غضبًا دوليًا، ومع ذلك نفت إسرائيل وإيران علمهما بهذه الرحلة، ولما قدمت منظمة التحرير الفلسطينية احتجاجًا على سياسة إيران الازدواجية، أصدرت الخارجية الإيرانية تصريحًا أكدت فيه أن هذه المعلومات مجرد أكاذيب الهدف منها ضرب سمعة الثورة الإيرانية والتأثير على علاقاتها مع المنظمة([33]).
الوساطة الإسرائيلية بين إيران والولايات المتحدة
وبعد تولى رونالد ريغان Ronald Reagan (1981-1989م) وإطلاق سراح الرهائن قام نمرودي وديغنان في الرابع والعشرين من يوليو 1981م بعقد صفقة أسلحة شملت صواريخ لانس، وقذائف مدفعية عيار 155 ملم، وصواريخ كوبرهيد، فضلًا عن ثمانية وستين صاروخًا مضاد للطائرات من نوع هوك، علاوة على إعادة إسرائيل لإيران دبابات أمريكية الصنع كان الشاه قد أرسلها إليه للصيانة قبل الثورة، بلغت قيمة هذه الصفقة حوالي مائة خمسة وثلاثين مليون دولار ونصف([34])، ونشرت تقارير تفيد بأن الولايات المتحدة وإسرائيل صدرا لإيران أسلحة متنوعة بحوالي مليار ونصف المليار، وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية وصول شحنة أسلحة أمريكية لإيران عبر إسرائيل، فضلًا عن تصريح وزير الدفاع الإيراني الذي أكد لإحدى الصحف الفرنسية وصول أسلحة أمريكية الصنع من إسرائيل كانت إيران في أمس الحاجة إليها وهي عبارة عن صواريخ هووك وسام([35])، وذكر رونن برجمان Ronen Bergman أن إسرائيل قامت بعملية في عام 1981م أطلق عليها سيشل بنقل أسلحة لإيران عبارة عن مائة وخمسين مدفع إم 40 مضاد للدبابات، وأربعة وعشرين ألف قذيفة لكل مدفع منهم، فضلًا عن قذائف 106ملم و130 ملم و175ملم و203ملم، بالإضافة لصواريخ بي جي إم 71 تاو، قُدرت تكلفة هذه الأسلحة بنحو خمسة وسبعين مليون دولار([36]).
أثارت هذه الصفقات غضب الإيرانيين حيث هاجم زعيم منظمة مجاهدي الشعب مسعود رجوي التعاون التسليحي بين إيران وإسرائيل، وصرح بأن الخميني منافق يعادي إسرائيل في العلن وينادي واقدساه، ولكنه في الخفاء يتعاون مع إسرائيل ويشتري منها السلاح، وأكد وجود عقد بين الطرفين يقضي بشراء إيران أسلحة تقدر بنحو ثلاثمائة وستين طن بواسطة شخص إسكتلندي يدعى ماكفرلاين McFarlane وهذا العقد هو واحدًا من ضمن عقود بخمسة عشر مليون دولار([37])، كما اعترف أبو الحسن بني صدر الرئيس الإيراني خلال مقابلة صحفية أجراها مع صحيفة الهيرلد تريديون الأمريكية في الرابع والعشرين من أغسطس 1981م أنه كان لديه علم بوجود علاقة بين إيران وإسرائيل ولكنه لم يتمكن من اثناء التيار الديني عنها، وفي تصريح آخر له في الثالث من نوفمبر 2016م لقناة الجزيرة أكد بأن وزير الدفاع الإيراني أبلغه أن إيران في طريقها لشراء السلاح من إسرائيل، ولما استفسر أبو الحسن عن الجهة التي سمحت بذلك رد بأنه الخميني، وأكد الخميني لأبو الحسن أنه هو من سمح بذلك وأن الإسلام يسمح بذلك، وعندما أحتد عليه أبو الحسن مؤكدًا له أنه لا يجب اللجوء لإسرائيل لمحاربة العرب وقتها اتهمه الخميني بأنه ضد الحرب([38])، واستطرد بني صدر أن إيران ابتاعت من إسرائيل خمسين محركًا للدبابات، ومائتي وخمسين إطارًا لطائرات الفانتوم، فضلًا عن قطع غيار لدبابات إيطالية الصنع، وأنه يوجد شخص يدعى سير شابور عمل وسيطًا بين الخميني وإسرائيل ويعد هو المسؤول عن الأسلحة التي كانت في الطائرة الأرجنتينية([39]).
حاول الخميني خلال خطبة له في السادس من سبتمبر 1981م أن ينفي وجود أي اتصالات مع إسرائيل أو أي تعاون عسكري بينهما، وصرح بأن الذين يروجون لهذه العلاقات يهدفون لنشر الفرقة بين العرب وإيران وتعميق العداء بينهما، وأن الجميع يدرك مدى الكراهية الشديدة التي تكنها الثورة الإيرانية لإسرائيل، وأضاف حجة الإسلام سيد هادي خسروشاهي أنه على الرغم من الديون المالية الإيرانية عند أمريكا وإسرائيل، وأن الشاه قد دفع مقدمًا حوالي خمسمائة مليون دولار لإسرائيل لاستيراد أسلحة منه ولكن الثورة حالت دون استلامها، وقد عرض الجانب الإسرائيلي على إيران تسليمها لها إلا أن الخميني رفض ذلك([40])، ومع هذا التقى في زيوريخ عددًا من المسؤولين الإيرانيين مع نظرائهم الإسرائيليين لإبرام صفقة أسلحة والاتفاق على أن يتولى خبراء فنيين صهاينة تدريب الجيش الإيراني وإعادة تجهيز إيران لوجستيًا، فضلًا عن الاتفاق على تأمين العتاد وقطع الغيار للأسلحة الأمريكية الصنع التي لدى إيران، علاوة على قيام بعض المستشارين الإسرائيليين بزيارة جبهة القتال الإيرانية لتقييم الاحتياجات الإيرانية، وتواترت أنباء بأن لدى الولايات المتحدة ما يثبت وجود حوالي ألف خبير صهيوني يدربون الجيش الإيراني، فضلًا عن تدريب الطيارين الإيرانيين وصيانة الأسلحة الأمريكية في إيران([41]).
وخلال زيارة شارون وزير دفاع إسرائيل للولايات المتحدة في مايو 1982م أكد أن إسرائيل صدرت لإيران أسلحة بقيمة سبعة وعشرين مليون، وأدلى بتصريحات صحفية عام 1982م أكد فيها أن إيران تعد صديق استراتيجي لإسرائيل على الرغم من كراهية الخميني لها، وأن العراق يعد الخطر الأكبر الذي يهدد وجوده([42])، كما أدلى موشي أرنيس سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة في 1982م بتصريحات أكد فيها أن إسرائيل نسقت مع أعلى المستويات الأمريكية وقاموا بتزويد إيران بالأسلحة، أملًا في استئناف قنوات اتصال مع النظام الإيراني([43])، وأشارت تقارير أخرى إلى أن قيمة الشحنات بلغت نحو خمسمائة وثلاثة وستين مليون دولار، وتم التحضير لها بواسطة وسطاء دوليين في ميلانو وتم شحنها من مطار نيس جنوب فرنسا بواسطة طائرة من نوع DC-8 ملك شركة كاركولوس([44]).
من الواضح أن الولايات المتحدة وإسرائيل سعيا وخططا لإطالة أمد الحرب عبر دعم إيران حتى يتقاتل أقوى قوتين في منطقة الخليج مما يؤدي إلى إضعاف قواتهما العسكرية فضلًا عن القوة الاقتصادية والبشرية، وهو ما يخدم الولايات المتحدة عن طريق توسيع تواجدها في منطقة الخليج دون إعاقة، وبالنسبة لإسرائيل فإن ذلك يخدمه من خلال صرف أنظار الجانبين عن مفاوضات السلام بين مصر والإسرائيليين، علاوة على تنفيذ المخطط الإسرائيلي الذي يتطلع إليه إسرائيل بأن يكون شرطي المنطقة بدلًا من إيران.
وفي مطلع عام 1983م أرسلت شحنه أسلحة احتوت على صواريخ جو جو، وأجهزة رادار، وأربعمائة ألف قذيفة مدفع هاون، وأربعمائة ألف مدفع رشاش، وألف هاتف ميداني، فضلًا عن مائتي جهاز تشويش للاتصالات الهاتفية([45])، وفي الخامس من مايو جرت اتصالات بين ممثلي الصناعات العسكرية الإسرائيلية وممثل شركة بي آر بي البلجيكية السيد هيرمانسن Hermansen اتفقوا على توفير قذائف 155 ملم و120 ملم وبودرة التفجير التي تستخدم ضد الآليات المدرعة، وأن الجانب الإسرائيلي لديه الرغبة في تصديرها لإيران ولكنه في حاجة لوسيط لتجنب القيود المفروضة على الحظر المفروض على إيران، وبالفعل حصل على وسيط سويدي يدعى كارل شميتس Carl Schmitts نيابة عن الطرف الإيراني، أبدى شميتس رغبة إيران في شراء ثلاثة آلاف قذيفة 155 ملم وأربعمائة وخمسين ألف قذيفة أخرى مختلفة الأنواع، وتمكن شميتس من تصدير ألفى طن أم 1 لقذائف 155 ملم، وثمانمائة طن لقذائف هو فيتزر([46]).
وعلى الرغم من محاولة إيران نفي وجود أي علاقة عسكرية مع إسرائيل إلا أن صفقات الأسلحة الإسرائيلية لها بلغت حوالي خمسمائة مليون دولار خلال الفترة من 1980-1983م، وأشار معهد يافي للدراسات الاستراتيجية بجامعة تل أبيب أن قيمة هذه الشحنات كان يدفع عبر تبادل النفط مقابل السلاح، ورصدت وكالات الاستخبارات المركزية الأمريكية حوالي ثلاثمائة مليون دولار من تلك المبيعات([47])، وللحقيقة فإن هذه الأسلحة أثرت على سير المعركة حيث تمكنت القوات الإيرانية من إخراج القوات العراقية من أراضيها، مما دفع صدام لتقديم عرض السلام وتحمله الأضرار التي ألحقتها الحرب بإيران، ولكن الخميني رفض العرض، وقابلت إسرائيل التقدم الإيراني بارتياح شديد بعد أن انتابها الخوف من إحراز العراق تقدمًا، وصرح ديفيد كيمحي أن هدف إسرائيل هو إضعاف كلا الطرفين حتى لا يكون بمقدور أي منهما تشكيل تهديد ضده([48])، وأمام رفض إيران عرض السلام العراقي أرسل ريغان مبعوثًا من قبله في أواخر 1983م لبغداد للقاء صدام حسين بهدف تحسين العلاقات بينهما وتقديم الدعم للعراق، وحمل المبعوث معه رسالة من إسرائيل للعراق يعرض فيها المساعدة في الحرب، وعندما التقى المبعوث مع طارق عزيز وزير خارجية العراق رفض الأخير العرض الأمريكي والإسرائيلي([49]).
كان من أسباب رفض الخميني قبول وقف إطلاق النار بخلاف الأسلحة الإسرائيلية التي غيرت سير المعركة هو ظن الخميني أن صدام يتبع نفس أسلوب إسرائيل في احتلال الأراضي ثم المطالبة بهدنة، كما أن الخميني كان يظن أن صدام حسين في طريقة للزوال لاسيما بعد ضرب المفاعل النووي العراقي ورغبة منه في القضاء على النظام البعثي في العراق حتى يتمكن من تصدير ثورته للعراق، وكان إسرائيل يخشى من قبول إيران وقف الحرب لأن ذلك يضر بمصلحته حيث كان يتطلع لإطالة الحرب أطول فترة ممكنة حتى يتم القضاء على القوة العسكرية للطرفين.
كانت إسرائيل تهدف من وراء عرضها لتقديم المساعدة للعراق هو جس نبض العراق ومعرفة نواياه تجاهها، حيث اعتقد أن الحرب من الممكن أن تغير نظرة العراق له، كما أن إسرائيل كانت تأمل في أن يوافق العراق على العرض حيث أن ذلك يؤدي إلى إطالة أمد الحرب هذا من ناحية، وإخراج العراق من جبهة الرفض الرافضة لإسرائيل عن طريق المساعدات العسكرية من ناحية أخرى، علاوة على أنه قبول العراق الدعم الإسرائيلي يؤدي لانقسام الصف العربي، كما رغبت إسرائيل في أن تكون الحرب متكافئة بين طرفي الصراع بعد أن وجدت إسرائيل أن تقدم القوات الإيرانية بفضل أسلحتها يمكن أن يحسم المعركة سريعًا ولذا عرضت مد العراق بالسلاح ليتساوى الطرفين وتستمر الحرب.
وذكرت المخابرات الفرنسية في تقرير لها صادر في الثاني والعشرين من سبتمبر 1983م أن السفارة الإيرانية في باريس كانت تجري لقاءات مع ممثلين من إسرائيل لاستيراد الأسلحة منها، وذكر التقرير أنه لإخفاء طابع هذه العلاقات كانت السفارة السويسرية في باريس تحتضن تلك اللقاءات وهي تعد حلقة الوصل بين الجانبين، علاوة على أن السويسريون كانوا يتولون تكاليف عمليات الدفع وأن شحن الأسلحة كان يتم عبر الخطوط الجوية الفرنسية([50])، وأفادت مصادر إسرائيلية أن مبيعات إسرائيل لإيران خلال عام 1983م فقط قدرت بنحو مائة مليون دولار شملت محركات للطائرات النفاثة التي تم إصلاحها، فضلًا عن قطع غيار دبابات M-48([51]).
كان هدف إسرائيل من استمرار الحرب بخلاف إرهاق العراق وإيران معًا وإبعاد العراق عن الجبهة العربية وتعميق الخلاف بين الدول العربية، فضلًا عن رغبتها في أن تسفر الحرب عن تقسيم العراق إلى دويلات صغيرة على أصول عرقية وطائفية متناحرة فيما بينها، حيث كانت إسرائيل ترمي إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات على أن يكون في الشمال دويلة الأكراد، وفي الوسط دويلة سنية، وفي الجنوب دويلة شيعية، ناهيك عن اتخاذ إسرائيل فرصة انشغال المجتمع الدولي بالحرب بين الطرفين وتحقيق أهداف استراتيجية أخرى منها: غزو جنوب لبنان 1982م، فضلًا عن تهجير يهود إيران ودخول إسرائيل سوق السلاح بقوة عبر البوابة الإيرانية والذي انعكس إيجابًا على الاقتصاد الإسرائيلي، بالإضافة إلى أن كل دولار كانت تدفعه إيران لإسرائيل كان يستخدم إما في صنع سلاح جديد أكثر تطورًا أو في تشريد الفلسطينيين وبناء مستعمرات جديدة أو في قتل الفلسطينيين، أي أنه كان هناك منفعة متبادلة بين إيران وإسرائيل فالأخيرة تمد إيران بالسلاح ليقاتل العراق لإضعافه وإخراجه من الجبة العربية، وإيران تعطي إسرائيل أموالًا أو نفطًا مقابل السلاح ليقتل الفلسطينيين، وبذلك تكون إسرائيل أول المستفيدين من الحرب وأن الخاسر الوحيد هما العرب لاسيما الفلسطينيين الذين ضاعت قضيتهم بين طرفي الحرب.
إسرائيل وتبادل الأسرى الغربيين مقابل السلاح مع إيران
وقد قامت مجموعة من اللبنانيين الشيعة الموالين لإيران من حزب الله في الفترة الواقعة بين السابع من مارس 1984م حتى التاسع من يونيو 1985م بخطف سبعة من المواطنين الأمريكيين بلبنان منهم رئيس شعبة المخابرات المركزية هناك، وحاولت الولايات المتحدة قدر المستطاع الإفراج عن الرهائن إلا أنها فشلت في ذلك([52])، ونظرًا للنفوذ الكبير الذي يتمتع به كلٌ من غوربانيفار وهو رجل أعمال إيراني وقائد سابق في جهاز السافاك وله علاقة قوية مع الخميني، ورفسنجاني هاشمي تاجر السلاح في إيران، فقد قدما اقتراحًا للولايات المتحدة يقضي بتسليم إيران للولايات المتحدة بعض الأسلحة السوفيتية التي استولت عليها من العراق مقابل صواريخ تاو الأمريكية، وأن تقوم الولايات المتحدة بدفع أموال لإيران لإطلاق سراح أربعة رهائن، إلا أن الخارجية الأمريكية فضلت البحث عن قنوات اتصال أخرى([53]).
وأبلغت المخابرات المركزية الأمريكية مجلس الأمن القومي الأمريكي في السابع عشر من مايو 1985م أن نظام الخميني في إيران على وشك الانهيار، وأن على الولايات المتحدة التحضير لما بعد الخميني([54])، وفي نهاية مارس 1985م أبلغ بيريز مستشاره الرسمي آل شويمر أن الولايات المتحدة طلبت منه المساعدة في إطلاق سراح ويليام بكلي William Buckley أحد رجال وكالة المخابرات في السفارة الأمريكية المختطفين بلبنان منذ السادس عشر من مارس 1984م، وعليه طلب بيريز المساعدة من شويمر، الذي نصحه بترتيب صفقة تبادلية بين إيران والولايات المتحدة تحصل إيران بموجها على أسلحة مقابل إطلاق سراح الرهائن([55]).
من الواضح أن الولايات المتحدة اعتمدت على إسرائيل في موضوع الوساطة بينها وبين إيران للافراج عن الرهائن، هذا الطلب الأمريكي جاء استنادًا علىى الدور الذي لعبته إسرائيل في مد إيران بالسلاح منذ بداية الحرب وحتى ذلك الوقت.
وجدت إسرائيل في أزمة اختطاف الرهائن فائدة وفرصة في آن واحد لإقناع الولايات المتحدة بدعم إيران بالسلاح، وعليه وجدت علاقة مثلثية بين الأطراف الثلاث فإيران تريد السلاح لاستعادة الحرب بعد أن أصبحت تميل نحو العراق، وأمريكا تريد إطلاق سراح الرهائن، وإسرائيل تريد عودة العلاقات مع إيران مرة أخرى، وحظيت هذه الفكرة بدعم يعقوب نمرودي، وديفيد كيمحي، وإسحاق رابين، وآل شويمر([56])، ونشرت مجلة التايم الأمريكية في عددها الصادر في السابع عشر من نوفمبر 1986م أن بيريز حث رجلي أعمال أحدهم عربي وهو عدنان خاشقجي تاجر السلاح السعودي على التواصل مع النظام الأمريكي لتسهيل نقل لأسلحة لإيران([57])، وبناءً عليه طُلب من عدنان خاشقجي وغوربانيفار التواصل مع مجلس الأمن القومي الأمريكي، إلا أن مستشار الأخير روبرت ماكفرلاين رفض الفكرة، ولكن تدخل بيريز أنقذ الموقف ووافق ماكفرلاين شريطة أن تكون إسرائيل هي المسؤولة عن العملية، وأن يتم اختبار مدى جدية إيران أولًا عن طريق إرسال شحنه واحدة فقط في البداية([58]).
وعليه أعطى بيريز الضوء الأخضر لنقل الأسلحة لإيران وتم إعداد شحنة أسلحة إسرائيلية نزع من عليها نجمة داود، إلا أن إيران غيرت رأيها وأعلنت أنها ليست بحاجة لأسلحة إسرائيلية وأنها بحاجة إلى ثلاثمائة صاروخ تاو أمريكي([59])، وفي الثامن من يونيو 1985م تم الترتيب بوسطة غوربانيفار لعقد اجتماع في هامبورغ مع آية الله حسن كروبي الذي يعد كاتم أسرار الخميني والمؤيد القوي لعودة العلاقات مع أمريكا، وضم الاجتماع مسؤولين من إسرائيل، وصرح كروبي بأن الموقف الإيراني في مأزق، وأكد أن عدوهما واحد وهما الاتحاد السوفيتي والعراق، صرح الإسرائيليين على لسان كيمحي أن إسرائيل ترغب في أن تكون حلقة الوصل بين إيران والغرب، وبعد اجتماع دام أربع ساعات سُئل كروبي عما إذا كان سيبلغ جماعته في طهران بأمر اجتماعه مع الإسرائيليين فرد بأنه سيبلغهم ولكن لن يصرح بذلك في الشوارع، وهنا أوصى كيمحي في مذكرته لبيريز وشامير بضرورة مواصلة الاتصالات مع الجانب الإيراني([60])، وأشار آية الله حسن كروبي المسؤول الرئيسي عن هذه الصفقة إلى أن أي تعاون بين إسرائيل وإيران بشأن العراق لا يعني أنه اعتراف من الحكومة الإسلامية بإسرائيل، ولكنها مسألة نفعية متبادلة، وإن قيام بعض الدول التي تتعرض للإكراه بإجراء تعديلات على مواقفها الأيديولوجية ليست استثنائية ولا سابقة في الشؤون الدولية، ولكن العزلة الحادة تجبرها أحيانًا على التعاون مع أعدائها، وهذا ما ينطبق على حالة إيران وإسرائيل، ومثل هذه التعاملات لا تعني التخلي عن كراهية إيران لإسرائيل، أو التوقف عن معارضته في جميع أنحاء الشرق الأوسط([61]).
كان هناك حافزان أساسيان لإسرائيل للمشاركة في هذه الصفقة، الأول هو الحفاظ على ميزان القوة بين إيران والعراق حتى لا يشكل أي منهما تهديدًا له، وكان الحافز الثاني هو الحفاظ على التحالفات العسكرية والاقتصادية مع أمريكا في وقت كانت فيه معظم دول العالم تقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل لما تقوم به من أعمال عدوانية تجاه الفلسطينيين واللبنانيين وتجاهلها لقرارات الأمم المتحدة، علاوة على الأموال الطائلة التي ستجنيها إسرائيل من وراء هذه الصفقات.
وطلبت إيران مائة صاروخ تاو من واشنطن وعندما رفضت الأخيرة توجه كيمحي إليها في الثاني من أغسطس 1985م والتقى مع ماكفرلاين، وقدم عرضًا يقضي بأن تزود إسرائيل إيران بالأسلحة شريطة أن تعيد واشنطن تزويد إسرائيل بهذه الأسلحة خلال شهر، تحمس ريغان للفكرة وفي السادس من أغسطس أعطاها الضوء الأخضر وعرفت هذه العملية باسم كفوتشينو، وكانت العملية في غاية السرية ومنح المشاركين فيها أسماءً مستعارة فمثلا أطلق على إسرائيل اسم فرات، وعلى إيران نورفولك، وعلى ماكفرلاين اسم هنري، ونورث اسم مايكل، وكيمحي اسم فاول، ونمرودي اسم بيتر، وشويمر مدير الحسابات، وغوربانيفار اسم نيك، وخاشقجي اسم هننشر أي النسر([62])، ومع ذلك دبت عدم الثقة بين المشاركين، فصرح إسرائيل بأنه لن يخرج صاروخًا واحدًا من مستودعاته قبل الحصول على المبلغ المالي كاملًا، بينما أكد غوربانيفار بأن إيران لن تدفع دولارًا واحدًا قبل تسلم الشحنة فهي اكتوت بنار هذا الأمر مرات عده، وبعد مشاورات وتدخل عدنان خاشقي وافق رابين على شحن مائة صاروخ شريطة أن يدفع الجانب الإيراني ثلاثة ملايين ونصف مليون دولار، وأن يكتب ماكفرلين خطابًا يبارك فيه الصفقة وأنها تمت بعلم الولايات المتحدة([63]).
ووصلت الشحنة الأولى في أغسطس 1985م حيث انطلقت طائرة DC-8 من إسرائيل وكانت تحمل حوالي ستة وتسعين صاروخًا من نوع تاو لإيران([64])، وقدمت إيران خدمة لإسرائيل عندما عرضت عليها ثلاث دبابات عراقية من طراز T-72 سوفيتية الصنع حيث أطلق الجنود الإسرائيليين عليها لقب الجرار، لم تستخدمها إسرائيل لأغراض عسكرية بل لفحصها ودراستها حيث أن هذه الدبابات كانت محظورة على إسرائيل([65])، فضلًا عن منح خمسمائة يهودي إيراني جوازات سفر للهجرة لإسرائيل كتتويج للدور الذي لعبة إسرائيل في إتمام صفقات الشحنات العسكرية لإيران([66]).
مما سبق يتضح أن إسرائيل تمكنت من إشراك الولايات المتحدة في إعادة تسليح إيران لمواصلة الحرب وكانت إسرائيل ترمي من وراء هذه العملية أولًا حتى لا تتحمل هي بمفردها الانتقادات الحادة التي سيوجهها العالم لإسرائيل إذا ما حدث ونشرت تفاصيل هذه العملية، وثانيًا رغبة إسرائيل في التخلص من مخزون الأسلحة القديمة التي لديها واستبدالها بأخرى حديثة من الولايات المتحدة، وثالثًا إظهار إسرائيل نفسها على أنها خادم المصالح الأمريكية في المنطقة، فضلًا عن إنشاء قنوات اتصال مع بعض مسؤولي الجانب الإيراني الذين سيخدمون إسرائيل عندما تحين الفرصة، علاوة على طموحها في الحصول على المزيد من المساعدات العسكرية الأمريكية لتقوية ترسانتها العسكرية إذا ما حدث وانتصر العراق وأصبح يمثل خطرًا عليه، وتطلعها لإعادة العلاقات مع إيران الإسلامية مرة أخرى.
الدور الإسرائيلي في تنويع مصادر التسليح الإيراني
لم يكن الأمريكان هم المصدر الوحيد الذي استخدمته إسرائيل لتمويل إيران بالسلاح ففي الثاني عشر من أغسطس 1985م اجتمع جونتر لاينهويرز Laynhwirz Günter وهو تاجر سلاح ألماني مع يورجين روث Jürgen Roth، ومانفرد ليدرManfred Lieder مندوب شركة فريتش فيرنر المسؤولة عن توريد السلاح لإيران في مدينة مانهايم الألمانية، كان الإيرانيون في حاجة إلى إصلاح عشرة آلاف صاروخ تاو فدلهم جونتر على خبراء إسرائيلين يمكنهم إصلاح الصواريخ وأن تكلفة الصاروخ حوالي مائة وثمانين دولارًا، واقترح أن تستبدل الصواريخ القديمة بغيرها جديدة على أن يحسب كل صاروخ بحوالي ثلاثة آلاف وثمانمائة دولار، ولما سأله ليدر عن مصدر الصواريخ الجديدة أشار إلى أن إسرائيل تمتلك حوالي ثلاثين ألف صاروخ ليس في حاجة إليها، انضم باراداران قائد الحرس الثوري الإيراني للاجتماع ولكنه اعترض على إشراك الإسرائيليين في العملية، إلا أنه وافق بعد أن تعهد الحاضرون على أن يبقى موضوع الإسرائيليين طي الكتمان، وعليه تم الاتفاق على استبدال الصواريخ القديمة بأخرى جديدة، وناقش الحاضرون توريد أجنحة لطائرات إف 5 F5، وتسائل قائد الحرس الثوري عن تكلفة بطاريات صواريخ هوك فرد جونتر بأن قيمة البطارية الواحدة تبلغ حوالي خمسة وعشرين مليون دولار([67])
وعلى الرغم من إرسال الصواريخ لإيران إلا إنه لم يتم الإفراج عن رهينة واحدة من الرهائن، ولذا أبلغ نمرودي غوربانيفار بأن عملية الشحن الأولى كانت اختبار لمدى مصداقية إيران، فرد عليه بأن الحرس الثوري هو من صادر الشحنة وأن الجيش غير مسؤول عنها، وأشار غوربانيفار إلى أنه تم الاتفاق على خمسمائة صاروخ لم يرسل منه إلا مائة فقط فهل تريد أن ترسل إيران ذراعًا ورجلًا للسيد باكلي؟ وعليه أدرك الإسرائيليين خطأهم في عدم إرسال باقي الصواريخ([68]).
من الواضح أن إيران أردت التنصل من اتفاق تبادل الأسرى بالسلاح وذلك للغضط على الولايات المتحدة وإسرائيل لمد إيران بمزيد من الأسلحة، وأن ورقة الرهائن كانت ورقة ضغط كبيرة لدى إيران تمكنت بواستطها من الحصول على المزيد من السلاح لمواصلة الحرب.
وفي الرابع من سبتمبر اجتمع غوربانيفار مع كيمحي، وليدين، وشومير، ونمرودي في فندق جورج الخامس بباريس للتحضير للدفعة الثانية من الصفقة، وأبدى الحاضرون الشك في غوربانيفار، ولإثبات حسن نيته أجرى اتصالًا هاتفيًا برئيس الحكومة الإيرانية من تليفون عام واستمع نمرودي للحديث، كان الاتصال مع محسن كنجرلو نائب رئيس الحكومة الإيرانية طلب منه إطلاق سراح الرهائن، ولكن كنجرلو استبعد فكرة إطلاق سراح جميع الرهائن ولكن يمكن إطلاق سراح واحد فقط، وعليه صادقت وزارة الدفاع الإسرائيلية في التاسع من سبتمبر على شحن أربعمائة وثمانية صاروخ آخر لإيران، وتوجه نمرودي لجنيف لترتيب أمر التحويل المرحلي البالغ أربعة ملايين دولار مع خاشقجي([69]).
وفي العاشر من الشهر نفسه وضع المبلغ في الحساب الشخصي لنمرودي، وفي الثالث عشر أقلعت نفس الطائرة التي قامت بالعملية الأولى من مطار اللد وكانت تحمل أربعمائة وثمانية صاروخ وهبطت في مطار تبريز بعد تحليق نحو خمس ساعات، وبعد إفراغ الحمولة عادت الطائرة، وفي الرابع عشر من الشهر نفسه أفرج عن القس بنجامين وير، وعليه أجرى ريغان اتصالًا ببيريز وشكره على المساعدة التي قام بها، فضلًا عن صدور تعليمات من الجانب الأمريكي لشحن أسلحة لإسرائيل بديلًا عن التي شُحنت لإيران([70])، وصدر تقرير عن المخابرات المركزية الأمريكية CIA في السابع من أكتوبر 1985م بأن إسرائيل تأمل في أن تؤدي تلك المساعدات إلى إطالة أمد الحرب وتكبيل الجيش العراقي، وأنه من غير المحتمل أن تمد إسرائيل إيران بأي معلومات استخباراتية خشية أن تشاركها مع سوريا، وأن إسرائيل باستخدام مساعيها الحميدة تسعى لتسهيل عودة العلاقات الأمريكية الإيرانية، فضلًا عن احتفاظ إسرائيل بعلاقات قوية مع إيران لاستئناف تصدير النفط، كما أنها تسعى جاهدة للاحتفاظ ببعض النفوذ في طهران لجذب حوالي أربعين ألف يهودي يعيشون في إيران([71]).
وخلال الاجتماع الثاني مع كروبي بجنيف في السابع والعشرين من أكتوبر برئاسة جون بويندكستر John Poindexter حاول الأمريكان جس نبض الإيرانيين ومعرفة نواياهم حول باقي الرهائن وعدد الصواريخ المطلوبة، طلب كروبي الصواريخ مجانًا مقابل إطلاق سراح الرهائن، كما قدم دعوة لوفد أمريكي لزيارة طهران، أكد له الأمريكان أنه إذا أوفى بوعده وأطلق سراح الرهائن فإن الولايات المتحدة ستعيد العلاقات مع النظام الإيراني من جديد([72])، وفي نوفمبر 1985م أبحرت سفينة محملة بقطع غيار لطائرات F-4 من شمال إيطاليا لإسرائيل، وقامت الأخيرة بدورها بنقل هذه القطع فضلًا عن صواريخ هوك بواسطة الطائرات ولكن السلطات البرتغالية أوقفت هذه الطائرة عندما دخلت أجوائها، وهو ما دفع الكولونيل نورث North العضو في مجلس الأمن القومي الأمريكي بالتدخل لدى السلطات البرتغالية للسماح بمرور الطائرة([73])،كانت الصواريخ التي وصلت طهران إسرائيلية قديمة ممهورة بنجمة داود وهو ما وضع غوبانيفار في موقف حرج وشعر بأنه أصبح ضحية للإسرائيليين، وبناءً عليه طلب آل شويمر من المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلي رد المبلغ للإيرانيين([74]).
وفي الأول من ديسمبر 1985م قدم الأمريكان اقتراحًا يقضي بمد إيران بثلاثة آلاف وثلاثمائة صاروخ من طراز تاو فضلًا عن خمسين صاروخًا من طراز هوك مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن، وتضمن الاقتراح أن ترسل هذه الأسلحة على خمس دفعات على مدار أربعة وعشرين ساعة على أن يطلق مع كل دفعة سراح رهينة، وعليه نوقش هذا الاقتراح بين ريغان ووزير الخارجية ورئيس مجلس الأمن القومي إلا أن هذا الاقتراح لم يرى النور([75])، وبعد توصية من ماكفرلاين بوقف تصدير الأسلحة لإيران لعدم التزام الأخيرة بتعهدها حاولت إسرائيل البحث عن سبل جديدة لإعادة تفعيل الدور الأمريكي في مد إيران بالمساعدات، ففتحت موضوع الرهائن من جديد وفتح قناة دبلوماسية جديدة بين أمريكا وإيران، وعليه قام أميرام نير مستشار مكافحة الإرهاب والمستشار السياسي لبيريز وغوربانيفار بإقناع نورث بتبادل السلاح مقابل الرهائن([76]).
ولكن نورث أوصى بإبعاد آل شويمر ونمرودي من عمليات الشحن على خلفية إرسال الصواريخ القديمة وتعيين أميرام لضمان استمرار تصدير السلاح لإيران وافقت إسرائيل على الطلب، وتلقي ريغان رسالة استياء من الجيش الإيراني وألمح أنه إذا تم توفير أسلحة جديدة لإيران فإنه يمكن استئناف المحادثات حول الرهائن، وعليه أصدر ريغان في السابع عشر من يناير 1986م أمرًا باستئناف تصدير السلاح لإيران([77])، وبناءً على موافقة ريغان سلم غوربانيفار للوسيط الإسرائيلي أربعة شيكات مؤجلة بقيمة ثلاثة مليون دولار لكل شيك، فقام الأخير بإيداع عشرة مليون دولار في الحساب الشخصي لنورث ببنك لايك رسورس السويسري، وعليه أبلغت الخارجية الأمريكية وزارة الدفاع بتسلمها قيمة ألف صاروخ تاو فقامت الأخيرة بشحن الصواريخ لإسرائيل والتي بدورها نقلته لإيران([78]).
ولبحث الاحتياجات العسكرية الإيرانية توجه وفد عسكري إسرائيلي في الثامن من فبراير 1986م لطهران، علاوة على تخرج حوالي خمسة عشر طيارًا إيرانيًا من كليات سلاح الجو الإسرائيلي، فضلًا عن توجه وفد إيراني لإسرائيل لبحث إمكانية تزويده بالنفط الإيراني مقابل المزيد من الأسلحة، كما عقد اجتماع سري بين على أكبر خامنئي (1981-1989م) ووزير خارجية إسرائيل على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، تعهد وزير خارجية إسرائيل خلال الاجتماع بحث الولايات المتحدة على تحسين علاقاتها مع إيران، في حين أبدى الرئيس الإيراني استعداده للمساعدة على إطلاق سراح الرهائن في لبنان مقابل الحصول على أسلحة أرض جو، وقطع غيار للفانتوم الأمريكية([79])
ونشرت صحيفة واشنطن تايم في السادس والعشرين من نوفمبر 1986م أن إسرائيل صدرت أسلحة لإيران تقدر بنحون أثنتا عشر مليون دولار تلقتها المخابرات المركزية الأمريكية من الجانب الإسرائيلي الوسيط ثم قامت الوكالة بوضعها في مصرف سويسري لصالح وزارة الدفاع الأمريكية، وأن المتحدث باسم رئاسة الوزراء الإسرائيلية أعلن أن إسرائيل صدرت هذه الأسلحة بناءً على رغبة الولايات المتحدة، وأن هذه الصفقة جاءت بموجب القرار الذي أصدره ريغان في السابع عشر من يناير 1986م كبادرة حسن نية منه لتعزيز العلاقات مع الفصائل المعتدلة في إيران لإطلاق سراح باقي الرهائن([80]).
وتم الاتفاق علي أن تذهب عائدات هذه الأسلحة إلي حركة كونترا المناهضة لثوار نيكاراجوا، وعرفت هذه العملية باسم إيران كونترا حيث ناقشت جلسات مجلس الشيوخ الأمريكي في السابع والعشرين من فبراير 1986م تدخل الجانب الإسرائيلي في هذه العملية، واعترفت المخابرات الأمريكية أنها اعتمدت على نظيرتها الإسرائيلية في إدارة هذه العملية، ورصدت التحقيقات بأن أكثر من ستة وعشرين مليون دولار قد قدمت للقوة الديمقراطية لنيكاراجوا وهي أحد فروع كونترا، ولكن مجلس الشيوخ توقع بأن المبلغ الذي قدم للثوار تجاوز هذا الرقم بكثير([81]).
ونفت إسرائيل وجود أي أعضاء لها ضمن عصابة الأسلحة البالغ عددهم سبعة عشر عضوًا التي تم القبض عليها أواخر أبريل 1986م على خلفية بيع أسلحة لإيران تقدر بنحو ملياري دولار على الرغم من وجود جنرال إسرائيلي متقاعد ضمن المتهمين([82])، ولكن الجنرال الإسرائيلي المتقاعد بارام أدلى بتصريح لشبكة التليفزيون الأمريكي سي بي سي في الحادي والثلاثين من نوفمبر 1986م أن حكومته زودته بقائمة مشتريات أسلحة لشحنها لإيران تبلغ قيمتها نحو بليوني دولار، فضلًا عن تقرير مجلة أوبزرفر أن الشحنات الإسرائيلية التي كانت تصل لإيران كل عام تقدر بنحو خمسمائة إلى ثمانمائة مليون دولار([83]).
تسريب خبر زيارة الوفد الأمريكي والإسرائيلي لإيران
وعلى الرغم من استقالة نائب مدير وكالة المخابرات وتوصية ماكفرلين بعدم تصدير أي أسلحة لإيران إلا أن ماكفرلين سافر مع الكولونيل نورث، ورئيس وكالة المخابرات المركزية جورج كيف George Keef، وأميرام نير إلى إيران في الثامن والعشرين من مايو 1986م على متن طائرة من إسرائيل كانت تحمل قطع غيار وصواريخ من طراز هوك يبلغ عددها حوالي مائتان وخمسة وثلاثين، أمضت هذه البعثة أربعة أيام في إيران أجرت خلالها محادثات مع كبار ممثلي الخارجية الإيرانية ورئيس البرلمان رفسنجاني حول إطلاق سراح الرهائن([84])، وأثارت هذه الزيارة فضول دبلوماسي سوري في السفارة السورية فجمع معلومات عنها وأرسلها لبلاده التي فضلت التكتم على الزيارة حتى تتضح الحقائق، إلا أن سوريا لم تصبر على كتمان هذه الحقائق فقد انتهزت فرصة عدم استجابة إيران لها بتسليمها أحد الرهائن الأمريكيين على أن يطلق سراحه من سوريا ولكن إيران رفضت وأطلقت سراح ديفيد جاكوبسن David Jacobso مما أغضب سوريا وقررت فضح أمر الزيارة([85])، وما بين شهري مايو وأغسطس 1986م قامت سفينة شحن بأربع رحلات من إيلات إلى بندر عباس وكانت تحمل في كل مرة حوالي تسعمائة طن من الأسلحة الأمريكية لإيران، وفي السادس عشر من أكتوبر غادرت سفينة شحن دنماركية تحمل ستة وعشرين حاوية أسلحة من ميناء إيلات إلى بندر عباس([86]).
من العرض السابق يرى الباحث أن إسرائيل دخلت الحرب إلى جانب إيران من خلال الدعم العسكري الذي قدمه لها، وأنها تحارب العراق بأيدي إيرانية بغية إطالة أمد الحرب أطول فترة ممكنه، وأن إسرائيل بهذا التصرف تمكنت من إبعاد العراق عن دائرة الصراع العربي الإسرائيلي أو على أقل تقدير ضمن تحييده، فضلًا عن تمكنها من إبعاد العرب لا سيما الفلسطينيين منهم عن إيران وعودة الأخيرة لأحضان إسرائيل مرة أخرى على الرغم من معارضتها العلنية له، وكان أيضًا من مزايا الحرب بالنسبة لإسرائيل أنها أوجدت انقسامًا بين الفلسطينيين أنفسهم فإلى أي طرف يميلون العراق أم إيران، كما عمقت الحرب الخلاف بين الدول العربية وبعضها البعض فانقسم العرب بين مؤيد للعراق مثل مصر والأردن والمملكة العربية وبين مؤيد لإيران مثل سوريا وليبيا.
التزمت سوريا بقرارها وقامت في الثالث من نوفمبر 1986م بتسريب نبأ زيارة الوفدين الأمريكي والإسرائيلي لطهران لمجلة الشراع البيروتية، كان هذا التسريب بمثابة القشة التي قسمت ظهر إيران حيث إنه بعد انتشار نبأ هذه الفضيحة قررت واشنطن التوقف عن تصدير السلاح لإيران وتعرضت للسخط العربي والعالمي، مما دفعها للميل ناحية العراق وأرسلت أسطولًا ساهم في حسم الحرب لصالح العراق، بينما غرق إسرائيل في موجة انتقادات حادة وتعرض للتوبيخ من الرأي العام الأمريكي لتسليحه للخميني ولعبة على الحبلين والتجسس على أمريكا([87]).
على إثر هذه الفضيحة أقيل نورث من منصبة في نوفمبر 1986م وأسندت إليه تهمة تصديره أسلحة لإيران عبر إسرائيل بأسعار بلغت نحو ثلاثين مليون دولار، أعلى بكثير من القيمة التي حددتها وزارة الدفاع الأمريكية والتي بلغت نحو اثنتا عشر مليون دولار وعرفت هذه الفضيحة إعلاميًا باسم إيران جيت أو إيران كونترا.([88])
وأفادت مصادر عراقية رسمية أن الطيارين الذي تخرجوا من المدارس الإسرائيلي خلال عام 1982م شاركوا في معارك الأهواز بين عامي 1985 و1986م، وأن طائرات تجسس صهيونية بدون طيار حلقت قرب الحدود السعودية العراقية لنقل المعلومات لإيران([89]).
وعلى أثر تسريب مجلة الشراع استدعى بيريز للاستجواب أمام لجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكنيست للتحقيق في الرابع والعشرين من نوفمبر 1986م، ولكنه امتنع عن الإدلاء بأي تفاصيل حول مشاركة إسرائيل في أي صفقات أسلحة لإيران مقابل إطلاق سراح الرهائن، وفضل أن يدلي بأقواله أمام لجنة سرية وأيده إسحاق شامير في ذلك([90])، ومن جانبه هاجم إيبان رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست دور إسرائيل في صفقات الأسلحة، وصرح بأنه لا يوجد لدى إسرائيل عدو أكثر خطورة من النظام الأصولي المسلم في إيران بقيادة الخميني، وأنه ما كان يجب على إسرائيل أن تبيع لإيران آلة كاتبة مكسورة، كما انتقد رئيس الوزراء لعدم إفصاحه عن دور إسرائيل في هذه الصفقات أمام لجنة الكنيسة التي لديها الصلاحيات بالإشراف على الشؤون الأمنية، وعليه طلب من بيريز إعطاء اللجنة تقريرًا مفصلًا عن الصفقات خلال الجلسة القادمة([91])، وخلال التحقيقات التي أجريت حول تصدير السلاح لإيران خلال الحرب أصر الجانب الإسرائيلي طبقًا للبروتوكولات الدبلوماسية منع أربعة أسرائيليين من الإدلاء بشهادتهم وهم: ديفيد كيمحي، يعقوب نمرودي، آل شويمر، أميرام نير([92]).
يرى الباحث أن تسريب مجلة الشراع كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر إيران وفضحت التعاون المشترك بينها وبين إسرائيل والولايات المتحدة، فبعد أن كانت إيران تصفهما على أنهما الشيطان الأصغر والأكبر أصبحت تتعاون معهما، وهو ما سبب أزمة داخلية في إيران، علاوة على أن هذا التسريب وضع الإدارة الأمريكية في موقف حرج أمام الرأي العام العالمي والرأي العام الداخلي، فكيف لواشنطن أن تساعد طهران بعد أن احتجزت رهائن أمريكيين في إيران وفي لبنان؟.
أشارت صحيفة الوطن الكويتية في تقريرها الصادر في الثاني والعشرين من نوفمبر 1986م نقلًا عن اللوموند الفرنسية بأن إسرائيل لازال يرغب في مد إيران بالمزيد من الأسلحة أملًا في إطالة أمد الحرب بين الطرفين، وأنهم يفضلوا هزيمة العراق لما له من دور فعال في المواجهات العربية الإسرائيلية، وأنه إذا تمكن من إحراز انتصار على إيران وبفضل الخبرة العسكرية التي اكتسبها من الحرب معها ستكون وجهته المقبلة هي إسرائيل([93])، وخلال زيارة رئيس وزراء إسرائيل لأمريكا في الخامس والعشرين من فبراير 1978م أكد بأن استمرار الحرب بين إيران والعراق البلد العربي المعادي له يخدم مصالح إسرائيل، وأن الحرب أحدثت انقسامات في الصف العربي([94])، لم يقتصر دور إسرائيل في دعم إيران على السلاح فقط بل كان للصحافة الإسرائيلية دورًا أيضًا حيث كتب زئيف شيف في صحيفة هارتس أن المصلحة الإسرائيلية تقتضي بأن تستمر الحرب على نار هادئة بلا نهاية، وأن إسرائيل اتخذت موقفه الواضح منذ البداية بتأييد الخميني رغم تدخله المتواصل في لبنان، والتنديد الدولي بشحنات الأسلحة الإسرائيلية لإيران، وأن إسرائيل لديها قناعة تامة بهذا الدور وليس هناك ندم على ذلك([95]).
على الرغم من انسحاب واشنطن من دعم إيران إلا إنه بعد معارك الفاو التي وقعت في السابع عشر من أبريل 1988م والتي منى خلالها الجانب الإيراني بهزائم فادحة أن قام رئيس البرلمان الإيراني هاشمي رفسنجاني بدعوة مردخاي قائد سلاح الطيران الإسرائيلي لزيارة طهران لوضع برنامج لتطوير القدرات العسكرية لسلاح الجو الإيراني([96])، ووفقًا لتقرير صادر عن صحيفة هارتس الإسرائيلية في العشرين من يوليو 1988م أشارت فيه إلى أن إسرائيل حافظت على العلاقات الصناعية العسكرية مع الجانب الإيراني، حيث قامت شركة شالون الإسرائيلية بمد إيران بثمانية وخمسين ألف قناع مضاد للغازات السامة، فضلًا عن قيام شركة إيلبت بتجهيز إيران بكاشفات للغازات للكشف عن الأسلحة الكيميائية، بالإضافة إلى أنظمة السيطرة على الحرائق في الدبابات([97]).
على أي حال بعد أن كشفت صحيفة الشراع البيروتية عن التعاون العسكري بين إيران وأمريكا وإسرائيل، وميل كفة أمريكا لصالح العراق نتيجة الهجوم العربي على الموقف الأمريكي المتناقض، أن أصبحت كفة الحرب تميل نحو العراق وعليه أعلن الإيرانيون قبول قرار الأمم المتحدة رقم 598 الداعي لوقف إطلاق النار وعليه توقفت الحرب في العشرين من أغسطس 1988م بعد أن دامت ثماني سنوات متواصلة([98])، وكان رابين قد صرح قبل انتهاء الحرب بثلاثة أشهر أنه سيكون مسرورًا إذا ما استمرت هذه الحرب لمائة عام، وعبر يوسي ساريد عقب وقف إطلاق النار أن هذا القرار وقع كصاعقة في يوم صافٍ على رأس السياسيين الإسرائيليين في القدس والمخططين العسكريين، بينما وجد بيري في قرار وقف إطلاق النار خلق وضع استراتيجي جديد وإحداث تغيير في المجالين العسكري والسياسي([99]).
خاتمة
مما سبق عرضه يرى الباحث أن الوقائع والمواقف أظهرت بما لا يدع مجال للشك أن واشنطن وتل أبيب كانتا تخططان وتنسقان فيما بينهما لإدارة حرب الخليج وهو ما اتضح جليًا من خلال صفقات الأسلحة التي كانت تتحكم في سير الحرب، وأن دور إسرائيل لم يقتصر على توريد الأسلحة فقط بل تعدى ذلك بالهجوم على العراق، وأن إسرائيل قامت بدورها الخفي والمعلن في إدارة الحرب واستمرارها، وأن اتجاه الدوائر السياسية في إسرائيل لدعم إيران في الحرب جاء على أساس أن كلٌ منهما غير عربي، ولذا سعت إسرائيل لتحجيم وتقليص قدرات العراق العسكرية والاقتصادية لمنعه من توجيه أي تهديد له.
كما يتضح أن إسرائيل كانت لها مصلحة قوية في دعمها العسكري لإيران ألا وهو إطالة أمد الحرب التي من شأنها أن تخرج طرفي الحرب من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي، بعد أن كانتا كلتا الدولتين رغم خلافهما يتفقان على رفض أي تسوية مع إسرائيل ويهاجمان مصر وأي دولة عربية تسعى لعقد سلام مع إسرائيل، وقد ظهر هذا واضحًا بعد اندلاع الحرب بعامين حيث اجتاحت إسرائيل لبنان وتمكن من إخراج سوريا ومنظمة التحرير هذا من الناحية السياسية، ومن الناحية الاقتصادية فقد كان إسرائيل في حاجة ماسة لتصريف مخزونه العسكري المتهالك فوجد في إيران خير بلد لتصدير ذلك المخزون وبالتالي أنعشت مبيعات هذه الأسلحة الخزانة الاقتصادية لإسرائيل فضلًا عن توفير فرص عمل لليهود.
وأن الحرب بين الطرفين خدمت إسرائيل حيث إنها أحدثت شرخًا وتمكنت من شق الصف العربي وانقسم العرب بين من يؤيد العراق مثل مصر والسعودية ودول الخليج، وبين من يؤيد إيران كليبيا وسوريا، هذه الحرب صرفت أنظار العرب نحو عدو ثانوي وهي إيران وإخلاء الساحة للعدو الأصلي وهي إسرائيل، هذه الحرب التي أخرجت العراق من كونه قوة استراتيجية احتياطية للعرب في مواجهة الصراع العربي الإسرائيلي الذي ثبت فاعليته على مدار المواجهات العربية الإسرائيلية.
وبالنسبة للمساعدات العسكرية التي قدمتها إسرائيل لإيران فلم تكن من أجل جمال عيونها أو حبًا فيها بل أملًا في تحسين العلاقات بينهما هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى رغبة منها في التخلص من أسلحته القديمة واستبدالها بغيرها حديثة ومتطورة من الولايات المتحدة’ فضلًا عن الحصول على مساعدات من الجانب الأمريكي، ومن ناحية ثالثة استنزاف القوة الاقتصادية لطرفي النزاع وجعلهما عاجزتين تمامًا على مواجهة أي تحديات أو توجيه أي تهديد فعلي لإسرائيل على أقل تقدير لمدة لا تقل خمس سنوات مقبلة.
كما كان من ضمن أهداف الدعم العسكري السماح لليهود الإيرانيين بالهجرة لإسرائيل وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على إيران من الناحية الاقتصادية، نظرًا لانتقاء إسرائيل اليهود الذين سيهاجرون إليه وهم من طبقة الفنيين وهو ما يحدث خللًا في الأيد العاملة في إيران هذا من ناحية، فضلًا عن أن هؤلاء اليهود كانوا يشكلون قوة اقتصادية في إيران وخروجهم منها بهذا العدد سيؤدي بالضرورة لانهيار الاقتصاد الإيراني نتيجة هجرتهم بأموالهم خارج إيران.
وأن زيارة الوفد الأمريكي والإسرائيلي لطهران ورصدها بواسطته السفارة السورية وفضح أمرها هى من عجلت بانهاء الحرب، فلو أن هذه الزيارة لم تحدث لكانت الحرب استمرت أكثر من ذلك، وأن قبول إيران بوقف إطلاق النار ليس تطوعًا منها أو بمحض إرادتها وإنما كانت مجبرة عليه نظرًا لتوقف إمدادات السلاح التي كانت تتلقاها من إسرائيل والولايات المتحدة والتي توقفت على أثر فضيحة تسريب مجلة الشراع عام 1986، كما أن وقف توريد السلاح لإيران أثبت بما لا يدع مجال للشك أن السلاح الذي تلقته إيران يعد العامل الرئيسي في استمرار إيران في الحرب فلولاه لما استمرت إيران في الحرب حتى وقف إطلاق النار، وأثبتت الأحداث أن كل دولار كانت إيران تعطيه لإسرائيل مقابل السلاح كان ينفق في إسرائيل على صناعة السلاح وتحسين الحالة الاقتصادية لإسرائيل، وأن هذه الأموال كانت تستخدم أيضًا في بناء مستعمرات جديدة وقتل الفلسطينيين، فضلًا عن أن السلاح الذي تلقته من إسرائيل كان يقتل به عرب مسلمين أي أن إيران كانت تساعد إسرائيل على قتل المسلمين واستنزاف طاقات العراق العسكرية والاقتصادية وهو ما كان يصب في مصلحة إسرائيل.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إسلام محمد عبدربه المغير:- الحرب العراقية الإيرانية(1980-1988م), رسالة ماجستير غير منشورة, كلية الآداب, الجامعة الإسلامية, غزة, 2015, ص ص92-93. حسن محمد طوالبة:- التعاون التسليحي بين تل أبيب وطهران والتحدي الصهيوني, مقالات من جريدة الثورة العراقية 1981-1982, دار الطليعة, بيروت, 1986,, ص52.
(2) إسلام عبدربة المغير:- المرجع السابق, ص93.
(3) عادل محمود العليان:- العلاقات الأمريكية الإيرانية بعد النصف الثاني من القرن العشرين, المركز الديمقراطي العربي, ألمانيا, 2017, ص109.
([4])مؤسسة الدراسات والأبحاث:- الصراع العربي الفارسي, منشورات العالم العربي, باريس, د.ت, ص217.
([5])حسن محمد الطوالبة:- المرجع السابق, ص ص47-49.
([6])مؤسسة الدراسات والأبحاث:- مؤسسة الدراسات والأبحاث:- الصراع العربي الفارسي, منشورات العالم العربي, باريس, د.ت, ص125.
([7])منسي سلامة وحافظ عبد الإله:- التعاون التسليحي اللإيراني- الصهيوني, وزارة الثقافة الإعلام دائرة الإعلام الداخلي العامة, العراق, 1981, ص ص18-19.
([8])نبيل السمان:- أمريكا وخفايا حرب الخليج من كارتر إلى بوش, د.ن, الأردن, 1991, ص87.
([9])ثائر صاحب شندل الحسني:- الموقف الدولي من الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988, رسالة ماجستير غير منشورة, كلية التربية, جامعة الكوفة, العراق, 2014, ص143.
([10])FCO/93/2504.Iran/Iraq-Israeli attitudes 1980.Telegram No.540.from Tel Aviv to FCO.23 September.1980.
)[11]( Ray Takeyh; Guardians of the Revolution Iran and the World in the Age of the Ayatollahs, Oxford University Press, New York.2009,P.67.
([12])حمد كمال شعت:- انفجار الخليج العراق المغبون وكلمة للتاريخ, مكتبة مدبولي, القاهرة, 1991, ص30 . منسي سلامة, حافظ عبد الاله:- المرجع السابق, ص ص21-22..
)[13]) FCO/93/2504.Op.Cit.Telegram,No.458.from Tel Aviv to FCO.29 September.1980.
([14])منسي سلامة. حافظ عبد الإله:- المرجع السابق, ص20.
([15]) سامي عبد الحافظ القيسي:- إسرائيل الإسرائيلي والحرب العراقية الإيرانية, مجلة الخليج العربي, العراق, مجلد 18, العدد 1-2, 1986, ص16.
([16])الجمهورية العراقية وزارة الثقافة والإعلام دائرة الإعلام الحربي:- التحالف الثلاثي نقطة البدء وانفجار الفضيحة, بغداد, 1987, ص39. ثائر صاحب شندل الحسيني:- المرجع السابق, ص145.
([17])سارة الشريف:- المشروع الأسود بين إيران وإسرائيل, دار كنوز للنشر, القاهرة, 2016, ص103
([18])The Washington report on middle east affairs,June,1987,p.10.
([19])عبد المجيد عرسان العزام:- فضيحة الأسلحة الأمريكية لإيران والدور الإسرائيلي, مجلة الخليج العربي, مجلد 21, العدد 3-4, 1989, ص ص78-79..
([20])جون كولي (ترجمة عاشور الشامي):- الحصاد,ط4, شركة المطبوعات للتوزيع والنشر, بيروت, 1992, ص81
([21])عبد الجبار ناجي:- السياسة الأمريكية والإسرائيلية والتسلح الإيراني, مركز دراسات الخليج العربي, العدد 3-4, البصرة, 1986, ص145.
)[22]) FCO/93/2504.Op.Cit.Telegram,No.508.from Tel Aviv to FCO.27 October.1980.
([23])اسلام عبدربة:- المرجع السابق, ص190.
([24])جون كولي:- المرجع السابق, ص82.
([25])أحمد صالح خليفة:- الدبلوماسية الأمريكية تجاه إيران أثناء حرب الخليج الأولى 1980-1988, مجلة جامعة الأنبار للعلوم الانسانية, العدد1, العراق, 2013, ص83
([26])جون كولي:- المرجع السابق, ص84.
([27])ثائر صاحب شندل:- المرجع السابق, ص146.
)[28]( Trita Parsi; Treacherous Allianc The Secret Dealings of Israel, Iran, and the United States.London. Yale University Press.2007.107.
([29])الحرب العراقية الإيرانية من وجهة النظر العربية.
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/IranIraqAr/sec08.doc_cvt.htm
([30])جلال الزناتي:- العلاقات الخفية بين إيران والإسرائيلية, دار الكتب والدراسات العربية, الاسكندرية, 2016, ص154.
)[31] (CIA, Report about USSR-Iran-Israel: Aircraft forced down,23 July,1981.
([32])حسن محمد طوالبة:- التعاون التسليحي بين تل أبيب وطهران والتحدي الإسرائيلي, مقالات من جريدة الثورة العراقية 1981-1982, دار الطليعة, بيروت, 1986, ص2.
)[33]) Trita Parsi; Op.Cit.107.
)[34]( oshni Elizabeth Abedin;Iranian-Israeli relations from covert ewlations to open hostility, the degree of Master of Arts in Liberal studies,Georgetown university,Washington,2010,P.43
([35])نبيلة محمود ذيب:- السياسة الأمريكية تجاه إيران (1945-1981م), رسالة ماجستير غير منشورة, كليه الآداب, الجامعة الاسلامية بغزة, فلسطين, 2012, ص288.
([36])جلال الزناتي:- المرجع السابق, ص ص155-156.
([37])محمد وصفي أبو مغلي:- دليل الشخصيات الإيرانية المعاصرة,مركز دراسات الخليج العربي,البصرة ,1983, ص56.
([38])السيد أبو داود:- تصاعد المد الإيراني في العالم العربي, العبيكان, السعودية, 2014, ص431. نسيم بهلول:- المرجع السابق, ص69.
([39])محمد وصفي أبو مغلي:- المرجع السابق, ص56.
([40])فهمي هويدي:- إيران من الداخل, ط4, مركز الأهرام للترجمة والنشر, القاهرة, 1991, ص ص238-239.
([41])سارة الشريف:- المرجع السابق, ص105. جمال على زهران:- تطور العلاقات الإيرانية الإسرائيلية بين عهدي الشاه والخميني, مجلة شؤون فلسطينية, العدد 239, بيروت, يناير فبراير 1993, ص43.
([42])إيهاب مجيد صالح:- الموقف الإقليمي والدولي من العراقية الإيرانية 1968-1988, رسالة ماجستير غير منشورة, كلية البنات للآداب والعلوم والتربية, عين شمس, القاهرة, 2016, ص172.
([43])عبد العزيز الدوري وآخرون:- الوحدة العربية تجاربها وتوقعاتها بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية, مركز دراسات الوحدة العربية, بيروت, 1989, ص693.
([44])سامي عبد الحافظ القيسي:- المرجع السابق, ص12.
([45])ثائر صاحب شندل:- المرجع السابق, ص148-149.
([46]) يورجين روث (ترجمة سامي أبو يحي):- صفقات الأسلحة المشبوهة وحرب الخليج, دار الشعب, القاهرة, 1990, ص ص76-78.
([47]) Trita Parsi; Op.Cit.108.
([48]) نايف بن محمد بن سعيد:- العلاقات الإيرانية الإسرائيلية للفترة من (1951م-2012م) وتأثيراتها على مجلس التعاون لدول الخليج العربية, رسالة ماجستير غير منشورة, كلية الدراسات العليا, الجامعة الأردنية, 2013, ص73.
([49]) Trita Parsi; Op.Cit.113.
)[50]( Sohrab Sobhani ; The pragmatic entente Israel Iranian relations 1948-1988,New york ,Praeger,1989.P.135.
([51])CIA,U.S.Arms dealings with Iran, 5 December,1986.
([52])يورجين روث:- المرجع السابق, ص18.
([53])أحمد سعيد تاج الدين وآخرين:- التقرير الإيراني إيران وتطورات الشأن الداخلي من الثورة إلى أسلحة الدمار الشامل, ج2, مركز المحروسة للنشر, القاهرة, 2009, ص317.
([54])CIA,U.S.Arms dealing with Iran,5 December,1985.
([55]) Yoel Marcus; Israel-Tehran connection began with U.S.request,Baltimor Sun,7 December 1986.P.A1.
([56])Trita Parsi;Op.Cit.p.117.
([57])عبد الجبار ناجي:- المرجع السابق, ص151
([58])FINAL REPORT OF THE INDEPENDENT COUNSEL FOR IRAN/CONTRA MATTERS, Investigations and Prosecutions Lawrence E. Walsh Independent Counsel .Washington, D.C. Volume I. August 4, 1993 .P.405.
([59])Yoel Marcus; Op.Cit.
([60])شموئيل سيجف(ترجمة دار الجليل) :- المثلث الإيراني دراما العلاقات الإيرانية الإسرائيلية الأمريكية, ج2, دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية, عمان, 1990, ص ص170-174.
([61])Ray Takey;Op.Cit.P.68.
([62])شموئيل سيجف:- المرجع السابق, ج2, ص ص183-184.
([63]) Yoel Marcus; Op.Cit.P.A2.
([64])السيد أبو داود:- المرجع السابق, ص ص429-430.
([65]) Eugene Smith; Israeli Agency in the Iran-Contra Affair, Portland State University,2016.P.20 .
([66])عبد الجبار ناجي:- المرجع السابق, ص144.
([67])يورجين روث:- المرجع السابق, ص ص38-42.
([68]) Yoel Marcus; Op.Cit.
([69])شموئيل سيجف:- المرجع السابق, ج2, ص ص188-190.
([70])CIA;U.S.Arms dealing,Op.Cit.
([71])CIA, Israel and Iran the ties that bind, 7 October 19.
([72])Trita Parsi;Op.Cit.PP.12.-121.
([73])CIA;U.S.Arms dealing,Op.Cit.
([74])Yoel Marcus; Op.Cit.
([75])نايف بن محمد بن سعيد:- المرجع السابق, ص76.
([76])كمال ديب:- دراسات في تاريخ سوريا المعاصر من الانتداب الفرنسي إلى صيف 2011, دار النهار, بيروت, 2012, ص698.
([77])CIA;U.S.Arms dealing,Op.Cit.
([78])نايف بن محمد بن سعيد:- المرجع السابق, ص77.
([79])جمال على زهران:- المرجع السابق, ص ص43-44.
([80])Washington Time; Poindexter out top aide fired for Iran deale, 26 November 1986.
([81])Eugene Smith; Op.cit.p.34.
([82])Jack Anderson and Dale Van Atta, Washington Post, ; Restoring the arms pipeline to Iran 30 April, 1986.
([83])عبد المجيد عرسان العزام:- المرجع السابق, ص80.
([84])CIA;U.S.Arms dealing,Op.Cit.
([85])كمال ديب:- المرجع السابق, ص702.
([86])CIA;U.S.Arms dealing,Op.Cit.
(([87]كمال ديب:- المرجع السابق, ص702.
([88])Chicago Tribine;Profit from Iran sales made way to Nicaragua, , 27 Nonember,1986.
([89])جمال علي زهران:- المرجع السابق, ص45.
([90])New York Times;Peres withholds details in briefing M.P.S on Iran, ,25 November,1986,P.A7.
([91])Washington Post; Israelis say U.S.lags in probe of Iran deal, 28 November 1986,P.A27.
([92]) Nesweek; 26 October,1987,P.22.
([93]) الجمهورية العراقية وزارة الثقافة والإعلام دائرة الإعلام الحربي:- المرجع السابق, ص39.
([94])عبد العزيز الدوري وآخرون:- المرجع السابق, ص693.
([95]) مركز التوثيق الإعلامي لدول الخليج العربي:- الأبعاد الاستراتيجية للحرب العراقية الإيرانية, الندوة العلمية لمركز دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة بالتعاون مع مركز التوثيق الإعلامي لدول الخليج العربي 12-14/4/1988, وقائع الندوة وبحوثها, مركز دراسات الخليج العربي, البصرة, 1988, ص569.
([96])جمال علي زهران:- المر جع السابق, ص45.
([97])أحمد سعيد تاج الدين وآخرين:- المرجع السابق, ص 348.
([98]) زكريا سليمان بيومي:- العرب بين النفوذ الإيراني والمخطط الإسرائيلي, دار العلم والإيمان, دسوق, 2009, ص48.
([99]) محمد رشاد شريف:- إيران في المنظار السياسي الإسرائيلي, مجلة شؤون الأوسط, العدد 99, لبنان, 2000, ص100.