رفضت إيران إتفاق السلام الذي تم التوصل إليه في العاصمة القطرية الدوحة بين حركة طالبان الأفغانية والولايات المتحدة الأمريكية نهاية شهر فبراير الماضي، معتبرة إياه “محاولة من جانب واشنطن لتبرير وجودها غير القانوني في أفغانستان، وإضفاء لشرعية وجود قواتها فيها”، وهو ما استدعى تحري حقيقة الموقف الإيراني من التسوية الأمريكية ـ الطالبانية بعد 19 عاما من النزاع العسكري بين الطرفين، وبعد أن انخرطت في الأزمة برمتها منذ البداية حين ساعدت أمريكا على احتلال أفغانستان، انتهاء بتوافقها السري ثم العلني مع الحركة المسلحة وتشبيك علاقات تعاون معها.
هل هو سلام مؤقت؟
الواقع يؤكد أن المصالح الأمريكية في المنطقة لازالت قائمة، لكن المعايير الآنية والاستراتيجة قد تحتم تغييرا لخدمة المصالح بعيدة المدى، في حين أظهر المسؤولون والخبراء الأفغان ردود فعل متابينة بشأن اتفاقية السلام التي وقعت بحضور نائب زعيم طالبان ممثلا عن الحركة و الدبلوماسي الأمريكي زي الأصول الأفغانية، زلماي خليل زاد.
في الاتفاق تعهدت حركة طالبان بوقف التعاون مع تنظيم القاعدة، في مقابل إطلاق 5 آلاف معتقل أفغاني لدى الولايات المتحدة الأمريكية وانسحاب القوات الأمريكية وانسحاب حلفاء واشنطن من قوات الناتو، لكن البعض يعتقد أن هذا الاتفاق لا يمكنه إنهاء حالة الحرب في أفغانستان.
المهم في هذا السياق هو أن الجانب الإيراني عارض علنا هذه الإتفاقية، معللا موقفه بمحاولاته السابقة لتحقيق السلام في أفغانستان والتي لم تجد نفعا، إلى جانب جهود الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدائمة في المفاوضات بين الفرقاء الداخليين أولئك الذين تعتبرهم طهران أساسا جوهريا داخليا مبدئيا لأية تسوية شاملة بين الحركة وبين أي طرف خارجي آخر.
رفض إيران إتفاقية السلام
في اليوم التالي لتوقيع الإتفاقية أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية بيانا على لسان متحدثها الرسمي عباس موسوي جاء فيه: “أن الجمهورية الإسلامية تعتقد أن إقرار سلام دائم في أفغانستان لن يتأتى إلا من خلال الحوار بين الأفغانيين، وذلك بمشاركة الجماعات السياسية الداخلية بمن فيها حركة طالبان”.
مع الأخذ بعين الاعتبار تحفظات الدول المجاورة لأفغانستان، على أساس أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترحب بأي تغيير يسهم في تحقق السلام والاستقرار في هذا البلد؛ لكنها تعتقد أن وجود القوات الأجنبية على الأراضي الأفغانية غير قانوني وهذا السبب الأصلي للحرب وعدم الاستقرار.
والواقع أن الجمهورية الإسلامية عارضت الاتفاق تقديرا منها لأنه يقنن ويشرعن وجود واشنطن بقواتها في أفغانستان، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تمتلك مكانة قانونية لتوقيع إتفاقية سلام أو تحديد مستقبل في هذا البلد.
طردية المصالح الإيرانية
لعل جيرة أفغانستان لإيران ومدى التقارب الثقافي واللغوي بين البلدين، يدلل على أن حدوث سلام دائم في كابول يخدم نفوذ طهران؛ لأن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية يعزز علاقة إيران مع القوى الأخرى التي تشارك في أفغانستان، مثل الهند وروسيا؛ لذا عدت أفغانستان ذات أهمية كبيرة لإيران.
إضافة إلى ذلك التقارب بين البلدين، يمنح الإتفاق إيران قدرا كبير من النفوذ لأنه سيؤدي إلى حالة من حالات فراغ القوة يمكن أن يملؤه الحرس الثوري إذا شاء، وبالرغم من أن إيران لديها العديد من المصالح في أفغانستان لكنها تدعم وجود حكومة مركزية مستقرة، وفي الوقت ذاته لا تريد أن تكون أفغانستان قوية بدرجة تسبب تحديا لنفوذها في اتجاهها الاستراتيجي الشرقي.
عليه بذلت طهران جهدا لتسريع حدوث سلام دائم في كابول، شريطة غياب الجانب الأمريكي؛ لأن موافقة إيران على أي إتفاق سلام تعقده واشنطن يعني اعترافا منها بشرعية الوجود الأمريكي في المنطقة، وهذا ما تصر دائما على نفيه سواء في أفغانستان أو حتى في العراق، ولعل الإصرار على الرفض زادت حدته بعد اغتيال أهم قائد في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني.
الاتجاهات التحليلية في إيران
في ضوء تلك الاعتبارات عبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن رأيه في الإتفاق عبر تغريدة نشرها على حسابه الرسمي من خلال موقع تويتر للتدوينات المصغرة، قال فيها “إنه لم يكن يجب على المحتلين الأمريكيين غزو أفغانستان منذ البداية، لكنهم فعلوا، وأيضا لاموا الآخرين على عواقب أفعالهم.. الآن وبعد مرور 19 عاما من الإهانة، وقعت الولايات المتحدة الأمريكية على وثيقة الاستسلام، ووهو ما يؤكد أن المشاكل في أفغانستان وسوريا والعراق واليمن سببها أمريكا التي ستغادر بعد أن خلفت وراءها خرابا عارما”.
الواضح من تعليق ظريف على إتفاقية السلام هو التأكيد على خطاب إيران بعدم شرعية الوجود الأمريكي، والذي أكدت عليه بشدة وأقرنته بضرورة الخروج من العراق بعد حادثة اغتيال سليماني.
جملة ما أعلاه أن الموقف الإيراني يؤيد إقرار سلام في أفغانستان لاعتبارات تعزيز مصالحها في المنطقة، رغم أن المصالح الأمريكية قد تتلاقى مع المصالح الإيرانية في هذا الإقليم حال تراجعت حدة الضغط الأمريكي على إيران في ملفات أخرى.